وإذا كان هناك سحابة قاتمة هى أقرب إلى السحابة السوداء تجعل البعض يرى أن الفلاح فى بلادنا قد فقد الدفة والشراع وصار تائها حائرا بين نار أسعارالأسمدة وديون البنوك وتجاهل الحكومة لشراء منتجاته ومحاصيله حتى تعالت صرخاته دون أن يجد من يسمعه ويسأله لماذا يصرخ وماذا يريد . إلا أنه ومن قلب هذا الإحباط الشديد والإهمال القاتل ، مازال هناك فلاحون مثابرون قادرون على قهر اليأس و الإهمال الحكومى، فلاحون يتمسكون بالأمل والصبر فى كل غرس وحرث يحلمون بمصر الحلوة كما هى فى صوت العصافير وأشعة شمس الصباح وسريان النيل وجمال وخضرة "الغيطان" والبساتين . إنهم فلاحون فى قرى صغيرة تتناثر بين أرجاء محافظة المنيا، يعرفها قليلون ولكنها تشتهر بتربتها الخصبة التي تنبت أجود أنواع البطاطس والنباتات العطرية والعشبية، وتصدر إنتاجها إلى دول العالم لتحظى منتجاتها بشهرة عالمية قلما تحظى بها المنتجات المصرية. وتبرز من قرى المنيا ذائعة الصيت في هذا المجال قرى البرجاية وصفط اللبن والتي تزرع ما يقرب من ثلاثة آلاف فدان بمحصول البطاطس الذي يعطي إنتاجا وفيرا يصدر معظمه إلى الدول الأوروبية خاصة هولنداوفرنساوألمانيا، ويتم تسويق فائض الإنتاج محليا خاصة لمصانع الشيبسي، فيما تشتهر قرى صفط الغربية وقرى 7 و8 والتي تعرف بقرى الجبل بزراعة النباتات العطرية والعشبية حيث تنتج أراضيها خمسة آلاف فدان من أجود أنواع النباتات العطرية والطبية، ويتوافد إليها كبار التجار لتصدير تلك المحاصيل كما تتهافت على إنتاجها كبرى الشركات الطبية، خاصة لأنها خالية من المبيدات والأسمدة الضارة. وكما يقول أحد مسئولي جمعية منتجي البطاطس إن محافظة المنيا تحتل مكان الصدارة في قائمة المحافظات المنتجة للبطاطس، حيث تشغل قريتي البرجاية وصفط اللبن المركز الأول في إنتاجها وتشتهر بزراعة أجود الأنواع مثل "كارا" والتي تتميز ببياض لونها و "دايمون" و "بيرنا" و "ليدي روزيتا" و "التيربو" ويفضلها سكان ألمانيا وأسكتلندا وهولندا، أما على مستوى التسويق المحلي فيفضل أهالي الوجه البحري، خاصة الإسكندرية بطاطس "كارا"، حيث تمتاز بارتفاع نسبة السكريات بها. وعن المساحات المنزرعة أوضح أنها تزيد على ثلاثة آلاف فدان تزرع بأراضي البرجاية وصفط اللبن وتنتج مايزيد على ثلاثة ملايين طن سنويا يتم تصدير معظمها عن طريق كبار التجار في مصر خاصة أنها تزرع باستخدام أجود أنواع التقاوي والتي يتم استيرادها من الدول الأوروبية سواء هولندا أو ألمانيا أو فرنسا , وليست البطاطس وحدها هي حاملة الراية المنياوية في قلب أوروبا، ولكن تدخل معها مزروعات أخرى تنفرد بها المنيا خاصة قرى صفط الغربية وقرى الجبل وتهتم بها شركات الأدوية وهي النباتات العطرية والطبية كاليانسون والكمون والحبة السوداء وزهرة البابونج والتي تصل المساحات المنزرعة بها إلى خمسة آلاف فدان. ويؤكد مزارعو النباتات الطبية أن الفلاحين فى هذه القرى تقتصر مهمتهم على إنتاج المحصول فقط ويأتي إليهم كبار التجار المصدرين للخارج من مختلف محافظات مصر، خاصة الفيوم وبني سويف لشراء المحصول ومن ثم يقومون بتصديره للدول الأوروبية. ويقول إن هناك العديد من كبرى شركات الأدوية ترغب حاليا في التعاقد معنا وشراء كميات كبيرة من المحصول بغرض استخدامها في المجال الطبي وأدوية الاعشاب، مشيرا إلى أن إنتاجية الفدان تختلف من موسم لآخر حسب الظروف الجوية، فالفدان الواحد قد يعطي مثلا بالنسبة للينسون 500 كيلو في المتوسط ويرتفع إلى 700 وقد يقل عن ذلك بكثير مثلما حدث في موسم هذا العام، نظرا للظروف الجوية السيئة التي أثرت علي جميع المحاصيل. كل هذا المجهود والإنتاج والإبداع يقدمه الفلاح وللأسف الشديد ما زالت وزارة الزراعة تتفرج عليهم لاتقدم لهم عونا ولا مساعدة على تصدير وتسويق منتجاتهم بدلا من هذه الطريقة البدائية المحدودة الانتشار والمنافسة، ليكون هناك نوع من التصدير المباشر، ومن هنا يخشى مزارعو المنيا من المخاطرة والخوض في تجارب التصدير، خاصة وأنه لاتوجد ضوابط تحكمه ولا يوجد قانون يحمي المصدرين مما يجعلهم دائما تحت سيطرة الشركة المتعاقدين معها.. فمتى إذن يتم الالتفات إلى هؤلاء المزارعين الصابرين وتقديم الدعم الكامل لهم لتشجيعهم على تنمية الزراعات والتصدير لدول الخارج، وعمل رابطة لكل محصول من جانب وزارة الزراعة؟.