يبدو أن الأزمة الدبلوماسية الجديدة بين اليونان وتركيا، والخلافات السياسية حول خطط استغلال الطاقة قبالة سواحل جزيرة قبرص لن تشهد انفراجة قريبة، وهو ما يعنى استمرار قرار تعليق المحادثات بشأن إعادة توحيد الجزيرة، الذى أعلنته جمهورية قبرص الأسبوع الماضى، ردا على مشروع أنقرة للبحث عن النفط والغاز فى مناطق بحرية صدرت لها تراخيص التنقيب بالفعل على الجانب القبرصى اليوناني. ايفانجيلوس فينزيلوس، نائب رئيس الحكومة ووزير خارجية اليونان أكد موقف بلاده الرافض للخطط التركية فى المنطقة، ولم يفوت فرصة مشاركته فى مؤتمر إعمار غزة، الذى تم عقده فى القاهرة الأسبوع الماضى، حيث أشار إلى هذه الأزمة خلال كلمته أمام المؤتمر، حينما أوضح أن التطورات الحالية فى قبرص سببها قرار تركيا إجراء عمليات بحث وتنقيب فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، وشدد على ضرورة احترام القانون الدولي، للحفاظ على الشرعية الدولية، وكذلك على مسار المفاوضات للتوصل إلى حل دائم للمشكلة القبرصية. تصريحات فينزيلوس فى القاهرة حول الأزمة مع تركيا سبقها بيان للخارجية اليونانية اتهمت فيه تركيا بإثارة توترات جديدة فى وقت سياسى حساس، لأن المجتمع الدولى يركز على مواجهة المسلحين الإسلاميين ومواجهة الأحداث فى المناطق الساخنة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأيضا لأن مفاوضات السلام بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك كانت قائمة فى قبرص بناء على بيان 11 فبراير 2014 المشترك. من جانبها اعتبرت تركيا هذا البيان وبعض تصريحات المسئولين اليونانيين معادية، واستدعت السفير اليونانى فى أنقرة كرياكوس لوكاكيس وطالبته بإيضاحات حول هذه التصريحات ، ولا تلوح فى الأفق أى تسوية قريبة لهذه الأزمة، رغم دعوة اسبن بارث ايدي، المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدةلقبرص، إلى خفض مستوى التوتر، معتبرا أن الطاقة ستبقى مصدر نزاع من دون حل لتقسيم الجزيرة، حيث قال: «النفط والغاز يمكن أن يكونا إما نعمة وإما نقمة». ويطرح إعلان تركيا عن عزمها إرسال سفينة مسح زلزالى إلى منطقة المياه الاقتصادية لقبرص، وقيام هذه السفينة بسبر الأعماق فى قطاع قريب من القطاع الذى تقوم فيه شركة إيطالية بعمليات التنقيب لاكتشاف حقول غاز محتملة، عددا من الأسئلة، على رأسها هل هدف هذا الإعلان عرقلة مفاوضات توحيد قبرص بعد 40 عاما من تقسيمها، فى أعقاب غزو تركيا للجزيرة عام 1974؟ وهل تخلت تركيا عن حلمها الكبير بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى؟ وهل كانت سياسة تركيا تجاه قبرص أحد أهم معوقات انضمام أنقرة للاتحاد ، خاصة بعد أن أصبحت قبرص بالفعل عضوا فيه، أم أنها تحاول تحريك المياه الراكدة فى هذا الملف أيضا ضمن عملية انضمامها المطولة، التى بدأت منذ عام 1999 ولم توضع لها نهاية حتى الآن؟ وبعيدا عن إجابة هذه التساؤلات فإن الأزمة التركية - اليونانية الجديدة بسبب البحث عن الطاقة فى قبرص، تؤكد أن هناك تحولا فى تناول أنقرة لملفات سياستها الخارجية، وتخليها عن شعار «القوة الناعمة» الذى رفعه حزب أردوغان «العدالة والتنمية» فى السابق، خاصة بعد تهديدها باستخدام القوة لمنع مواصلة التنقيب عن النفط والغاز فى قبرص، وبذلك تعود تركيا «أردوغان» إلى سياسة استخدام القوة لتنفيذ سياسات وأهداف خارجية ، ارتبطت بالتاريخ التركى، وكانت إحدى حلقاتها اجتياح الجزء الشمالى لجزيرة قبرص عام 1974، ردا على انقلاب قام به قبارصة يونانيون بهدف ضم الجزيرة إلى اليونان، خاصة أن أنقرة مازالت تحتفظ بحوالى 30 ألف جندى فى الجزيرة، وهى الدولة الوحيدة التى تعترف بما يسمى جمهورية شمال قبرص التركية، فيما يعتبر المجتمع الدولى القبارصة اليونانيين السلطة الوحيدة بالجزيرة.