عندما انطلقت الشرارة ..واندلعت نيران حرب أكتوبر المجيدة ..كنت طفلا صغيرا في الصف الثاني الابتدائي، وفي يوم السبت 6أكتوبر- كان بداية الأسبوع الدراسي الثاني من العام الدراسي 1973-1974 - طرقت أذني أخبار الحرب من خلال الإذاعة ،كنت أنصت إلى تعليق والدي وإخوتي على تفاصيل الأنباء،لتسمع أذني في هذا اليوم وما تلاه من أيام مفردات لم أسمع عنها من قبل ، ومن هذه الكلمات (سيناء –خط بارليف –النابالم- القناة-الساتر الترابي-التعبئة-القنطرة شرق-سام6-سام3- الأربيجيه –رفعنا العلم-العدو الصهيوني) مفردات كنت أحتاج إلى قاموس متنقل ليفسر لي كل كلمة منها وماذا تعني،ومن خلال الحماس ورد الفعل الذي رأيته وسمعته من كل من حولي من أفراد أسرتي وجيراني كبارا وصغارا، عايشت المعركة يوما بيوم وحدثا بحدث حتى النهاية السعيدة،ومن شدة اندماجي مع الجو العاصف كنت أقول لوالدى :أريد أن أذهب لأحارب.. أريد أن أقاتل الأعداء ،بل كنت أحلم أثناء النوم أني على الجبهة مع الجنود أقاتل معهم ,فأستيقظ مسرورا وأحكي بفخر ما رأيته على أبي وإخوتى ، متمنيا تحقيق حلمي اليوم وليس غدا. وطبعا بسبب أحداث الحرب تعطلت الدراسة لأجل غير مسمى،فتشابكت الظروف المختلفة لتخلق جوا فريدا غير مسبوق بالنسبة لى (رمضان وإجازة طارئة وحالة حرب) ،فها هو رمضان بما فيه من جو استثنائي يختلف عن كل شهور السنة خصوصا لمن كان في مثل سني، حيث فوانيس رمضان والحلوى والأغاني الرمضانية..،يتداخل مع هذا الجو العودة إلى الإجازة التي لا نعرف لها نهاية..أضف إلى ذلك أجواء الحرب المشحونة بالقلق والخوف والترقب و الفرحة المكتومة ،وامتلاء المساجد بالمصلين الذين يبتهلون إلى الله ليل نهار من أجل أن يكلل جهود جنودنا بالنصر الذي لم يكن منه بد ،فلم يكن المصريون يتحملون حدوث هزيمة جديدة لا قدر الله ،وكانت أمنيتهم أن يجربوا مشاعر النصر لأول مرة بعد أن تجرعوا كأس الهزيمة مرات عديدة،فقد كان أبي ممن حاربوا في العدوان الثلاثي وكان يروي لنا ذكرياته أثناء الحرب وبعدها ،كما كان الحديث كثيرا ما يتطرق إلى ذكريات أليمة مر بها أثناء وبعد نكسة 1967 التي تركت جراحا وندوبا عميقة في نفوس الجميع،فضلا عن حكايات جيراني ممن شاركوا في حرب اليمن ،ثم حرب الاستنزاف. كان مشهد الفرحة بالنصر والعبور عبور قناة السويس،و أنباء اقتحام الساتر الترابي وتدمير خط بارليف ورفع العلم المصري على أرض سيناء هو المشهد الثاني ،الذي بدد حزن المشهد الأول ،وأحاله إلى مجرد ذكري سيئة مرت ولا أقول "عبرت" لتمضي الأحزان،وبين المشهدين ارتقى كثير من الشهداء ،ونزف الجرحي الذين أضاءوا بدمائهم حياتنا المظلمة ،وبدلوا عتمة الليل وذل القهر والعار إلى نور نهار ساطع ، مشرق بنور العزة وشمس الكرامة ...فياله من عبور! لمزيد من مقالات صبرى زمزم