كنت واحداً من المتخوفين من ذهاب الرئيس السيسى لجلسة افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمعرفتنا بالحالة التى تتملك الجماعة الإرهابية بعد أن انتفض الشعب ليسترد وطنه منها وقد قفزت على مقاليد حكمه بليل، وفى ظرف مرتبك أحكمت صناعته. وكنا نتابع اخطبوطهم وهو يسعى عبر تشعباته واطرافه الإقليمية والدولية ليقوض الثورة ويأتى على مكتسباتها المتسارعة المبهرة والواثقة، وكان الرئيس عبد الفتاح السيسى كلمة السر ومفتاح هذه النجاحات بإرادة لا تلين ورؤية شكلتها خبرات مواقع سيادية اسندت إليه فى إعداد قدرى، لتحمل مسئولية إدارة البلاد فى لحظة فارقة. ولهذا يصبح استهدافه الشغل الشاغل للجماعة الإرهابية، ويصبح توخى اقصى درجات الحيطة والحذر ضرورة قصوى، وحمايته واجب وطنى، لكنه اتخذ قراره بالسفر ورئاسة وفد مصر فى اجتماعات الجمعية العامة، فيما يؤكد ثقته فى حماية الله، ودعم شعبه، وحرص العالم كله على احاطته بكل دوائر الحماية، فنجاح مصر فى استكمال مسيرتها، وكسر دائرة الشر سيجنى ثماره كل العالم. كان المشهد خارج وداخل ابنية وأروقة الأممالمتحدة، إعلانا متجدداً لميلاد مصر الجديدة فقد عرف المصريون، آلاف المصريين، طريقهم الى التخطيط والترتيب والنظام والمثابرة والإصرار وهم يتوجهون من داخل الولاياتالمتحدة ومن داخل مصر الى حيث يقيم الرئيس والى حيث يلقى كلمة مصر، فى ترتيب يقطع الطريق على خفافيش الظلام الساعين لإفساد المهمة، كدأبهم، وفى فرح لا تخطئه عين، وبهجة اكتست بها وجوه الآلاف المحتشدين الذين تكبدوا مشقة الحضور بإرادتهم وبمبادرات ذاتية، ومن تابع المشهد عبر الفضائيات يخال أنه يتابع واحدة من فعاليات ميدان التحرير، نفس الأعلام، ونفس الأهازيج، ونفس الشعارات، وإن أضيف إليها شعارات الاحتفاء بمشروع قناة السويس القومى، ولا شك أنه مشهد سيظل محل تحليل الأجهزة التى تراقب الموقف عساها أن تصل الى سر المصريين. ولم تكن كلمة الرئيس السيسى أقل روعة من هذا المشهد، كلمات محددة رسائل سهمية متلاحقة، ردود موضوعية على تلميحات الرئيس الأمريكى أوباما فى كلمته فى نفس الجلسة، حتى لنخال أن كلمة الرئيس السيسى قد كتبت لحظتها، رغم أنها معدة سلفاً، وهى إشارة إلى أنها كتبت بموضوعية وبعيون تدرك اسئلة العالم، واتجاهات الإدارة الأمريكية وتوهماتها. لم تستغرقه الكلمات الحماسية أو الإسلوب الإنشائى، لكنه أوضح أمام العالم أن ما حدث فى مصر فى 30 يونيو «عندما تمسك الشعب المصرى بهويته، وتحصن بوطنيته، فثارَ ضد الإقصاء، رافضاً الرضوخ لطغيان فئة باسم الدين منتفضاً ضد قوى التطرف والظلام، التى ما لبثت أن وصلت إلى الحكم، حتى قوضت أسس العملية الديمقراطية ودولة المؤسسات أمتداد لحراكه المبهر فى 25 يناير يعود الرئيس ليعرف العالم بالمحاور التى تقوم عليها «مصر الجديدة» دولةٌ تحترم الحقوق والحريات وتؤدى الواجبات، تضمن العيش المشترك لمواطنيها دون إقصاء أو تمييز، دولةٌ تحترم وتفرض سلطةَ القانون الذى يستوى أمامَهُ الكافة، وتَضْمَنُ حريةَ الرأى للجميع، وتَكْفُلُ حريةَ العقيدةِ والعبادةِ لأبنائها، دولةٌ تسعى بإصرار لتحقيق النمو والازدهار، والانطلاق نحو مستقبل واعد يلبى طموحات شعبها، دولة مؤسسات وسيادة القانون، تحترم القضاء، وتضمن استقلاله، وتُفَعِّل مبدأ الفصل بين السلطات. ويربط المبادئ بالفعل فيؤكد أن مصر بدأت فى تنفيذ برنامج شامل طموح لدفع عملية التنمية حتى عام 2030، يستهدف الوصول إلى اقتصاد سوق حر، قادر على جذب الاستثمارات فى بيئة أمنية مستقرة، ومثالنا مشروع قناة السويس الجديدة، هدية الشعب المصرى إلى العالم. ويلقى بطوق النجاة للعالم الذى روعه الإرهاب بقوله الأزمات التى تواجه بعض دول المنطقة، يمكن أن تجد سبيلاً للحل يستند على محورين رئيسيين، لدعم بناء الدولة القومية يشمل الأول، تطبيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون بناءً على عقد اجتماعى وتوافق وطني، مع توفير جميع الحقوق، لاسيما الحق فى التنمية الشاملة، بما يُحصِن المجتمعات ضد الاستغلال والانسياق خلف الفكر المتطرف» أما المحور الثانى، فهو المواجهة الحاسمة لقوى التطرف والإرهاب، ولمحاولات فرض الرأى بالترويع والعنف، وإقصاء الآخر بالاستبعاد والتكفير. وقد طرحت مصر بالفعل، وبتوافق مع دول جوار ليبيا، مبادرة ترسم خطوات محددة وأفقا واضحا لإنهاء محنة هذا البلد الشقيق، يمكن البناء عليها للوصول إلى حل سياسى يدعم المؤسسات الليبية المنتخبة، ويسمح بالوصول إلى حل سياسى شامل، وحتى يمكن تنفيذ ذلك، ينبغى وقف تهريب السلاح إلى ليبيا بشكل فعال، وعدم التساهل مع التيارات المتطرفة التى ترفع السلاح، وتلجأ للعنف، ولا تعترف بالعملية الديمقراطية. وفى سوريا الشقيقة، أثق فى إمكانية وضع إطار سياسى، يكفل تحقيق تطلعات شعبها، وبلا مهادنة للإرهاب أو استنساخ ويختتم الرئيس كلمته «تلك هى مصر التى اِستعادت ثقتها بنفسها، مصر التى تُعْلِى قيم القانون والحرية، مصر بهويتها العربية وجذورها الإفريقية، مهد حضارة المتوسط، ومنارة الإسلام المعتدل.. لم تكن مجرد كلمة تقليدية فى مناسبة دورية إنما كانت شهادة حصول مصر على اعتراف العالم فى محفل دولى رفيع المستوى ترجمته الحفاوة التى قوبل بها الرئيس بعد الانتهاء منها، وكانت برنامج عمل يلقى بالمسئولية على جميع القوى الوطنية والحكومة بمصر لترجمتها الى واقع يعيش دولة الحقوق والحريات والعيش المشترك لمواطنيها دون إقصاء أو تمييز. لمزيد من مقالات كمال زاخر موسى