مهما تطورت وسائل الاتصال وتداول المعلومات تظل السينما هي التي تخلد الشخصيات، وتنقل صورة الشعوب وقضاياها عبر المكان والزمان. وبالنسبة لتناول شخصيات حقيقية علي الشاشة، كان الزعيم جمال عبدالناصر هو أول من قدمتة السينما المصرية باسمه، وشكله وكان ذلك من خلال الفيلم السينمائي الأهم والأكثر قيمة من جملة ما قدم عنه وهو " ناصر 56" الذي شاركت في تنفيذة كتيبة من المبدعين: أحمد زكي، والمخرج محمد فاضل، والكاتب محفوظ عبدالرحمن. وساهم هذا الفيلم في تذكير الملايين من الشعوب بالزعيم، وانجازاته بشكل دائم من خلال عرضه علي الشاشات الفضائية. وكانت هناك محاولات سينمائية أخري تناولت حياة الزعيم عبد الناصر ومنها فيلم حمل اسمه وأخرجه السوريي أنور قوادري، وكتبه إيهاب إمام، وقام ببطولتة خالد الصاوي. ولكن لم يكتب له النجاح الجماهيري، بل انه واجه انتقادات وإقامة دعاوي قضائية ضده من بعض المقربين من عائلات الضباط الأحرار. وبعد مرور كل هذه السنوات، وما مرت به مصر من تغيرات، يظل السؤال: هل كل من جلس علي مقعد الرئيس تصلح حياتة لأن تكون عملا فنيا؟. وجاءت الإجابة علي لسان المخرج محمد فاضل صاحب ناصر 56 فقال: ليست كل شخصية تصلح لأن تخلد سينمائيا. فلابد أن يكون الزعيم الذي تخلده السينما قد انحاز أولا للشعب وللوطن، وأن يكون له رصيد في القلوب والعقول. ولهذا، فان انحياز الزعيم الراحل جمال عبد الناصر للشعب والبسطاء كان واحدا من الأسباب التي جعلت اسمه خالدا. فالسينما لا تهتم بالاسم والمرحله وانما بالدراما. والزعيم مقدمة من هؤلاء المميزين فحملت حياتهم كثيرا من الدراما الذي تناولت حياته كثير من الأعمال السينمائية، والتلفزيونية. وأضاف: الرئيس السادات يستحق ان تنتج عنه أفلام وأما الرئيس مبارك، فلا توجد في حياتة مواقف يصنع منها فيلم. أما محمد مرسي، فيمكن ان ينتج عنه فيلم كوميدي لما كان في أيام حكمه من ظلام، وعدم انتماء للوطن، واتمني لو أجد موافقة لإنتاج فيلم عن الرئيس السيسي وسيكون حول الاسبوع الأخير قبل ثورة يونيو التي أطاحت بالارهابيين من الحكم، وكيف أنقذ مصر، وشعبها من كارثة حكم جماعة الإخوان الإرهابية، وكان نزول 30 مليون مصري أبلغ رد علي رفض هذه الجماعة وأعوانها. وبعد 18 عاما من عرض فيلم " ناصر56 " كشف محمد فاضل ان الفيلم كاد الا يعرض بعد ان تم الانتهاء منه و لم يفرج عنه الا بعد حدوث ملابسات بها كثير من الحرج السياسي ومحاولة دولة عربية مجاورة شراء الفيلم وعرضه عندها بعد أن علم قائدها بتعنت الإدارة المصرية، وندمها علي إنتاجه، وهو الامرالذي دفع وزير الاعلام صفوت الشريف وقتها لإصدار امر بضرورة عرضه. وحقق الفيلم نجاحا جماهيريا واسعا وحقق ايرادات بلغت 14 مليون جنيه. وحول إذا ما كانت حياة الزعيم جمال عبد الناصر بها مناطق تستحق ان تقدم علي الشاشة، قال المخرج الكبير محمد فاضل انه يحضر فيلما بعنوان ناصر 67 ويكشف فيه كثيرا من الحقائق عن بطولات الجيش، وكيف خرجت مصر من آثار الهزيمة النفسية إلي النصر والعبور. اما الفنان الراحل احمد زكي، فسالته ذات يوم عن أسباب إصراره علي تقديم فيلم ناصر 56 فقال: أنا مواطن أولا ومهموم بوطني، ومهنتي، وهي التمثيل. وإذا كنت قد تعرضت في كثير من أعمالي لمشاكل الرجل، والإنسان البسيط، والقينا الضوء علي ما كبر شأنه وما صغر فما بالك بأصحاب القرار من الزعماء، وانا أحمد الله انني تشرفت وقدمت ناصر 56 وايام السادات فهذان العملان وأعتبرهما خطوة كبيرة لأننا فتحنا من خلالهما لأول مرة الحديث عن الزعماء والرؤساء بالأسماء الحقيقية ونجحنا في اظهار الحقائق للأجيال بعيدا عن المهاترات السياسية. وقال لي احمد زكي ايضا :أنا ابن الثورة سعدت لانتصاراتها وتجرعت مرارة هزائمها والبعض هاجموني ... ولكن ما أسعدني أثناء عرض فيلم ناصر 56 أن هناك شخصية كبيرة وقريبة من الرئيس عبد الناصر كتب لي رساله تقول: دخلت فيلم ناصر56 وأنا غير مقتنع وخرجت وأنا مقتنع "هذه الجملة أسعدتني كثيرا . ويبقي التاكيد علي ان السينماالمصرية ساهت بالفعل في تخليد الزعماء الحقيقيين الذين ملكوا الشعوب في قلوبهم. وكان فيلم ناصرهو المعبرعن قوة ووطنية وشعبية زعيم في حجم جمال عبد االناصر. وقد يكون هذا هو ما دفع النجم أحمد زكي لإعلان نجاحه في تقديم رساله سينمائية وطنية. فاذكر في أيام مرضه، وقبل وفاتة بايام قليلة اتصل بي وهو في المستشفي وطلب مني قراءة رسالة بالتحديد من بين آلاف الرسائل. وقرأتها وكلما انتهيت منها يطلب مني إعادة القراءة. والرسالة كانت من فتاة عمرها - وقتها 20 عاما- وتقول " الاستاذ أحمد زكي .. إنني وجيلي لم نعاصر زعماء مصر السابقين، ولم نعرف كثيرا عنهم، ولكن ببراعتك الشديدة جعلتنا نعرفهم، بل ونحبهم. وأكثر من ذلك إنني شعرت وكأنني عاصرتهم .. " عند هذه الجمله شعرت أن أحمد زكي في حاله انتصار رغم الالم.