م تكن الحرب الضروس المشتعلة في أروقة وزارة الزراعة بينها وبين عدد من المستوردين حول عمليات استيراد اللحوم الحية من إثيوبيا والقرار السري للوزير بعدم الاستيراد أو سفر اللجان لاختيار الحيوانات إلا فصلا من فصول النهش والاستغلال لأموال المواطنين والتربح من إفساد أجسادهم وملئها بالأمراض لوأخطرها السل الذي يخشي انتقاله إلي المواطنين نتيجة عدم قيام الوزارة وهيئة الخدمات البيطرية بتحليل واختبار هذه الحيوانات. فلو لم تكن هذه النوعية من اللحوم( وغيرها) مسئولة عن ارتفاع نسب السل بين المصريين غير محددة فالذي لا ريب فيه أن إصابة الطبيبة البيطرية ماري موسي بالسل جاء نتيجة عملها في المجازر, واختلاطها بالحيوانات المصابة عند أدائها عملها بعد أن تم التلاعب والتدليس في استخدام الأختام والرضوخ لشروط المستوردين. والسؤال من سينتصر: الفاسدون والمفسدون أم الشرفاء في الجهاز الحكومي؟ ويتلاعب المفسدون باحتياج البلاد إلي توفير اللحوم أو بحاجة المواطنين إليها لسد الفجوة بين الإنتاج المحلي(700 ألف طن سنويا منها400 ألف طن لحم بقري) والاستهلاك الذي يصل إلي مليون ومائتي ألف طن. ويستغل المفسدون خشية الحكومة من تصاعد الغضب نتيجة اشتداد أزمات اللحوم خصوصا في المناسبات فيضغطون لتمرير بالتعاون مع الفاسدين والمرتشين هذه الأنواع السيئة من اللحوم برغم أن الحكومة نفسها تشارك عبر جهات معينة في هذه الأزمة وهذا الإفساد ونشر المرض. وتأكد هذا بداية من أزمة اللحوم الهندية المصابة بالساركوسيست التي انبطحت فيها الحكومة خضوعا لرغبات المستوردين بل أكدت علي لسان وزير زراعتها( المحبوس حاليا أمين أباظة) أن الساركوسيست تضيع مع الطي.. مرورا بتغيير المواصفات القياسية الخاصة باللحوم( وغيرها) علي نحو يؤدي إلي الإضرار بصحة المواطنين. حدث هذا برغم العلم بسوء الحالة البيئة للمراعي الهندية في بعض المناطق ووجود ملوثات بيئية ومعادن ثقيلة ودايوكسين الذي يؤدي إلي الإصابة بالسرطان. وللأسف لا يتم التحليل أو الكشف عنه أو عن المعادن الثقيلة في رسائل اللحوم المستوردة. والطريف أن الدكتور يوسف شلبي رئيس الإدارة المركزية للحجر البيطري أكد أن المستورد الذي يثبت وجود ال دايوكسين بنسب عالية في خمس من رسائله يتم مواجهته بعد ذلك وتتم محاسبته مما نقدمه للنائب العام كبلاغ ضده ونتهمه بالتواطؤ علي إصابة المصريين بالسرطان.كما نطالب بإلزام وزارة الزراعة بإخضاع رسائل اللحوم الواردة من الخارج لاختبارات وتحاليل المعادن الثقيلة والدايوكسين المسرطن. بلاغ للنائب العام هذا الأمر حدا بمؤسسي الجمعية المصرية لمراقبة الأغذية الأساتذة بقسم الرقابة الصحية علي اللحوم بكلية الطب البيطري بالقاهرة( فتحي النواوي ونبيل عبدالجابر ومحمد طلعت) لتقديم بلاغ إلي النائب العام( قبل ثلاثة أشهر) بوجود مخالفة صارخة من قبل المسئولين عن إبدال المواصفات القياسية الصادرة برقم1522 لسنة1991 الخاصة باللحوم بمواصفات جديدة عام2005 تم التلاعب فيها لمصلحة مستوردي اللحوم( وغيرها من الأغذية). فمثلا تم إلغاء الفقرة التي تنص علي عدم التصريح باستيراد اللحوم المجمدة التي مضي عليها أكثر من نصف فترة الصلاحية مما سمح باستيراد لحوم قاربت مدة صلاحيتها علي الانتهاء. وما زالت بالأسواق لحوم فاسدة سمح بدخولها البلاد ووصولها إلي بطون المصريين لتزيدهم مرضا علي مرض وهذه المواصفات الجديدة التي تم استحداث لفظ المعايير الوصفية بدلا من الاشتراطات القياسية كما كان في مواصفات1991 التي تم إلغاؤها برغم أن هذا البند كان يحدد المواصفات والحدود الدنيا المسموح بها والفارق كبير بينها وبين المعايير الوصفية وهي وصف المنتج دون تقييد المستورد باشتراطات صحية ملزمة. وجوه كثيرة للمافيا لمافيا اللحوم في مصر وجوه متعددة وأذرع كثيرة وطويلة طالت كثيرا من مواقع القرار وقرار رئيس هيئة الخدمات البيطرية الأسبق محمد مصطفي الجارحي في خطابه رقم9436 بتاريخ18 أكتوبر2010 إلي مديرية الطب البيطري بالسويس للإفراج عن شحنة(500 عجل بقري استرالي) المتحفظ عليها بالحجر الخاص بشركة العين السخنة للثروة الحيوانية التي عارضها الدكتور لطفي محمود شاور في بلاغه رقم9339 بتاريخ2010/10/3 لمخالفة الشحنة الشروط الاستيرادية بتخطي شرط السن وأمر رئيس الهيئة الأسبق الجارحي طبقا لتأشيرة وزير الزراعة بأن يتم ذبحها وختمها بخاتم العوارض باللون البنفسجي. واستخدامه ينطبق فقط علي الحيوان المحلي ولا ينطبق علي المستورد نهائيا لعدم تعرض هذا القرار(517 لسنة86) للحوم المستوردة من الأساس. وبذلك فإن موافقة رئيس الهيئة في خطابه كانت اعترافا بمخالفة هذه الرسالة الشروط, والغريب أن مدير الطب البيطري بالسويس قام بتحويل الدكتور لطفي شاور إلي النيابة الإدارية للتحقيق معه في مخالفته قرار رئيس الهيئة. والأجدي كان عقاب رئيس الهيئة ووزير الزراعة, لكن هذا حال الفساد وقوته. بعدها للأسف بدأت سلسلة جديدة مبتكرة من أساليب التحايل واستحداث خاتم جديد لختم اللحوم الطاعنة في السن حتي خمس سنوات نظرا لأن السادة المستوردين لا يلتزمون بشرط السن(3 سنوات) كما جعلهم ذلك يتمادون في إدخال ما يصل عمره من العجول إلي10 سنوات. وبالتالي فهي كما يقول الدكتور ياسر أباظة أقل مناعة وأكثر عرضة للأمراض وأيضا لحومها أقل جودة من الصغيرة وهو ما يجب أن ننبه إلي ضرورة إلغاء هذه الأختام والعودة إلي الالتزام بالشروط الاستيرادية وبشروط صارمة وإجراء اختبارات عدة للتأكد من خلو اللحوم من المواد التي تصيب المواطن بالأمراض مثل المعادن الثقيلة والدايوكسين والتيوباركلين المسبب لمرض السل, لأن انعدام الإشراف البيطري في المجازر أو ضعفه يؤدي إلي تداول لحوم مصابة بالأسواق, وانتقال الأمراض إلي المستهلك ومنها السل البقري الذي وصلت نسبة إصابة المصريين به من18 إلي22% من عدد السكان حسب الأبحاث والدراسات الأكاديمية. وإن كانت مستشفيات الصدر في مصر وجهاز الطب الوقائي بوزارة الصحة تسجل حالات السل علي أنها أمراض صدرية خوفا من هلع المواطنين ولكن هل يجب أن نكفي علي الخبر ماجور في حين أن العالم كله مصاب بالهلع لانتشار هذا المرض ومصدره الرئيسي السل البقري المنتشر في الدول الإفريقية ولا يعني ذلك أن نوقف الاستيراد من شريكين استراتيجيين هما السودان وإثيوبيا, فليست الأبقار جميعها في الدولتين مصابة بهذا المرض, إنما العيب في جشع المستوردين الذين يحرصون علي استيراد الأبقار الطاعنة في السن المريضة بالسل وأمراض أخري وهو ما تؤكده تقارير عدد من الأطباء البيطريين بعد كشفهم علي هذه النوعية من الأبقار المستوردة من خلال محاجر ومجازر الأدبية بالسويس وسفاجا والندي والشرق الأوسط بأبو سمبل. فخلال الأشهر السبعة الأخيرة من العام الماضي تم ذبح6744 عجلا بقريا( وارد إثيوبيا) في الأدبية وتم إعدام3475 كبدة و1505 رئات, فضلا عن مئات الأعضاء الأخري, ووصل الأمر إلي إعدام41 عجلا بقريا و83 ربعا أماميا إعداما كاملا وتم حصر36% إصابات سلية. لحوم مصابة بالسل بفحص التقارير اليومية نجد مثلا اكتشاف الأطباء البيطريين في حمولة الباخرة أحمد آن الواردة عليها شحنة عجول إثيوبية لحساب شركة بان أفريكان من خلال شركة( ميدي تريد) أن العجول جميعها طاعنة في السن( لحوم خشنة) واكتشف إصابتها بالسل الموضعي والديدان الكبدية والحويصلات والتكلسات وغيرها وتم إعدام أجزاء كثيرة منها حسب تقرير اللجنة المشكلة من الأطباء البيطريين( عصام المرشدي وعصام العراقي وحسن مصطفي). وعند الكشف علي أعداد أخري من حمولة الباخرة نفسها في الأيام الأربعة الأولي من شهر يناير الماضي تم اكتشاف السل الموضعي والأمراض نفسها السابقة وأيضا تمت إعدامات كثيرة. والمصيبة أن المسبب لمرض السل البقري لا يمكن للأطباء البيطريين اكتشافه بالعين المجردة, وهنا تكمن الخطورة لأن هذه المحاجر والمجازر الحكومية التي سلمتها الدولة عن سبق الإصرار والتقبض! لشركة ميدي تريد منذ ثلاثة أعوام بحق انتفاع وسلمتها الأخيرة وسلمت معها بطون المصريين لشركة بان أفريكان وكذلك لشركتي الشرق الأوسط لصاحبيها أحمد أبو حجي نائب وطني سابق وابن عمه مهران وشركة رجل الأعمال مصطفي الأحول والفساد في هذه المحاجر والمجازر الحكومية التي تركتها الدولة( سداحا مداحا) أكبر مما يتصوره العقل. فالعجول التي يتم استيرادها من السودان لا تقل سوءا أو عمرا عن تلك التي يتم استيرادها من إثيوبيا, لكنها تتماثل معها فيما تحمله من سل وأمراض أخري. وبرغم ذلك يتم إخراجها من المحجر بتقرير يحرره الطبيب البيطري التابع لهيئة المحاجر البيطرية بخلوها من الأمراض, وبالطبع لابد أن يكون ذلك بمقابل. وقد تم اكتشاف إصابتها بالسل عندما نقلها أحد تجار اللحوم إلي مجزر السويس للتشفية, مما دفع مسئول مجزر السويس إلي إعاد الكشف عليها وتحرير تقرير جديد أثبت فيه جميع هذه الإصابات وأرسله إلي رئيس الهيئة اللواء أسامة سليم, وأرفق معه التقرير الذي خرجت به من مجزر أبو سمبل الذي يؤكد خلوها من الأمراض موقعا من الطبيب البيطري المسئول عبدالسلام محمود عبدالسلام في16 يونيو الماضي. وفي5 يوليو أصدر رئيس الهيئة قرارا بإبعاده عن مجزر سفاجا ولكن أعيد إليه مرة أخري في2 أكتوبر بعد إخلاء طرف الدكتور محمود عبدالوهاب الذي لم يلتزم الصمت علي الفساد في هذا المجزر, وأكد كبر أعمار الأبقار المستوردة وإصابتها بالسل في عدة تقارير إلي الدكتور يوسف شلبي واللواء أسامة سليم رئيس الهيئة بل أبلغهما في مكتبيهما بالهيئة عن حجم الفساد لمصلحة المستوردين, ولما لم يتخذا إجراء ضد شركة الشرق الأوسط أو اللجنة التي وافقت لها علي استيراد عجول مسنة ومريضة حرر محضرا برقم8 أحوال قسم شرطة أبو سمبل بتاريخ15 أغسطس الماضي. من طرائف الهيئة أيضا أن الطبيب البيطري ثروت نصيف المسئول عن مجزر سفاجا لا يوجد أحيانا عند الإفراج عن العجول وختم اللحوم, وهو ما أثبتته لجنة التفتيش المفاجئة للمجزر المشكلة من الدكتور لطفي محمود شاور مدير إدارة المجازر بالسويس, والدكتور عمر إسماعيل من الإدارة العامة للمجازر بالهيئة, والدكتور عصام البطاوي في22 أغسطس الماضي. وأثبتت في تقريرها الذي رفع إلي رئيس الهيئة عدم تطبيق أحكام القرار الوزاري517 لسنة1986 من حيث ضرورة وجود طبيب المجزر في أثناء عملية الذبح لتوقيع الكشف علي الذبائح وعدم اتباع أصول الذبح أو الختم بشكل واضح. وكان من نتيجة إعادة الكشف علي اللحوم بعد أن أثبت طبيب المجزر سلامتها أن وجدت بها إصابات سلية مما استلزم إعدام واحد ونصف عجل و5 أكباد مما تم الكشف عنه وقتها فقط لعدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي حسب تقرير اللجنة, وهو ما تلاحظ لها أيضا في مجزري الشرق الأوسط والندي بأبو سمبل, حيث تم إعدام أجزاء من الذبائح لإصابتها السلية, وعدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمي. والغريب أن تأشيرة اللواء أسامة سليم رئيس الهيئة أوصت بمحاسبة أطباء المحاجر ومحاسبة مدير إدارة المجازر بالبحر الأحمر وأسوان وهو ما لم يحدث حتي الآن.. لماذا؟! أحد المصادر بالهيئة يرد علي ذلك مؤكدا أن هناك غيابا للمعلومات لدي رئيس الهيئة. ومن واقع دفاتر اليومية والتقرير الفني في مجزر ميدي تريد من10 مايو حتي30 يونيو2011 تم ذبح1980 عجلا اكتشف فيها576 حالة سل موضعي فضلا عن الديدان الكبدية والشريطية, وفي24 سبتمبر الماضي قامت لجنة برئاسة الدكتور عمر عبدالمنعم بدراسة شكاوي في هذا المجزر انتهت إلي أن90% من الحيوانات المستوردة من إثيوبيا تخالف شروط الاستيراد. وهنا يجب أن يشمل القانون عقوبات جنائية لهؤلاء علي اعتبار أن عملهم جناية في حق المواطن. كما يجب تحديد عقوبات واضحة ورادعة لشركات الاستيراد بشكل يناسب هذا الجرم الأعظم مادام مسئولو الوزارة والهيئة لا يحركون ساكنا ولا يهتمون بصحة المواطن بل ويتنصلون من المسئولية, ملقين بها علي أكتاف أطباء المنافذ كما يقول د. محمود عبدالوهاب. وإن كانت مذكرة د. يوسف شلبي التي عرضت علي رئيس الهيئة حول شروط الذبح الفوري للعجول البقرية القادمة من إفريقيا بتاريخ22 مايو الماضي ذكر فيها أن أغلب الدول الإفريقية مصنفة ضمن المناطق المصابة طبقا لكود المنظمة العالمية لصحة الحيوان(OIF) وأنه في حالة الاستيراد لعمر أكثر من30 شهرا لابد من توفير جهازي شفط النخاع الشوكي وتشفية الرأس ومنشار للتخلص من عظام الفك والعمود الفقري والجمجمة. وتلقي هذه المذكرة ظلالا من الشك حول هدف يوسف شلبي منها وهو الرغبة في تمرير دخول العجول فوق السن, وإلا فلماذا تتكلف الحكومة ذلك في حين أن هناك شروطا وضعت للاستيراد أو أن تلك الأجهزة ستعمل علي حماية المواطن. المصيبة أن الطبيبة البيطرية ماري موسي من إدارة مجازر السويس بالسل نتيجة اختلاطها في أثناء عملها بهذه الحيوانات المصابة وهو ما ينبه إلي وجود تيوباركلاس باسلاي المسبب لمرض السل غير القابل للشفاء, وتأكد ذلك من وصوله إلي الغدد الليمفاوية لهذه الطبيبة الشابة بعد استئصالها وتحليلها ومرورها بمراحل علاج مختلفة علي مدي تسعة أشهر, ولم يستجب المرض للعلاج ولم تشف. وأكد تقرير كونسولتو الأطباء الذين أخضعوها للفحص بالتأمين الصحي بحوض الدرس بالسويس أن إصابتها نتيجة احتكاكها بالحيوانات المريضة بالسل, وهو مرض مشترك بين الإنسان والحيوان وينتقل بينهما وينتقل من إنسان لإنسان بالتعامل والعدوي, وعلي ذلك فمن المسئول عن إصابة طبيبة شابة وأم لأطفال بهذا المرض اللعين؟ وبقي علينا أن نحذر من انتشار الحمي القلاعية كوباء بين الثروة الحيوانية في مصر خصوصا وقد ظهرت في محافظات قنا وأسوان وسوهاج نتيجة تهريب أعداد كبيرة من البقر السوداني عبر الحدود الجنوبية ومن المعروف أن هذه الحمي منتشرة بشكل كبير في رءوس الماشية في السودان وإثيوبيا. وانتهت الحرب بهزيمة الوزير واستجابته في اللجنة العلمية التي شكلها المكونة من بعض أطباء بيطريين من الهيئة وعدد من الجامعات منتخبين إلي رفع السن إلي خمس سنوات رضوخا لضغوط السادة المستوردين برغم عدم موافقة العديد من الأطباء البيطريين في الهيئة والشرفاء الذين يتعرضون لضغوط كثيرة من قبل المستوردين, مما يستلزم حتي لا يتحجج البعض ومنهم الوزير برأي اللجنة طرح الموضوع للنقاش علي مستوي كليات الطب البيطري والمتخصصين في الصحة العامة وصحة الحيوان واللحوم للإدلاء بآرائهم.