قبل أن يشرع الإثيوبيون في حجز المياه خلف سدهم القاتل تموت الأرض في مصر عطشاً، فما بالنا إذا اكتمل البناء فيه، تُري ماذا سيكون وضع الأرض الزراعية الواقعة علي آخر محطات النهر..ومنها إقليم البرلس، وهو نهايات النيل الذي يعاني نقصاً حاداً في المياه، وتحترق زراعاته، ، وهو أمر دائم ، خصوصاً في الصيف، مما يسبب تنازعاً بين مزارعيه ومزارعي الدقهلية علي المياه بسبب سرقتها وسحبها من خلال مواسير غير مشروعة، كما تنتشر مزارع سمكية في المنطقة علي مساحات تتعدي خمسة آلاف فدان، تستهلك كمية كبيرة من المياه، فتسبب مشكلة أخري، وعطشاً جديداً، ولكن هذه المرة يرجع السبب الي البشر، فضلا عن اضطرار بعض الفلاحين الذين جفت أراضيهم لريها من مياه الشرب، فتعاني قري كثيرة من عدم وصولها إليهم..وهي مشكلة متكررة الحدوث. الحكاية يرويها المهندس رضا عميرة قائلاً: تعاني مجموعة قري الخريجين مثل: الدعاء والزهرة والسلام والمستقبل..وغيرها من نقص حاد في مياه الري، بشكل متكرر..رغم أن قرب هذه الأراضي من البحر المتوسط يرفع من معدل الملوحة، وتحتاج لزيادة المقنن المائي الذي لا يكفي من الأساس. حاتم السيد شعلان عضو مجلس إدارة جمعية الدعاء، يؤكد أن السبب الثاني للمشكلة هو قيام أصحاب المزارع في الجانب الآخر (الدقهلية) من ترعة الشيخة بعمل أربع فتحات تسحب المياه إلي أراضيهم، فتجف أراضينا التي تصل مساحتها إلي خمسة آلاف فدان. ويضيف مصطفي عبد الحميد حمودة أن آخرين وضعوا مواسير قطر متر ونصف المتر تحت الحاجز (الهدار) علي بحر عزام، لري مساحات استثمارية، وهذه المواسير مفتوحة بصورة دائمة تحت أبصار مهندسي الري في كفر الشيخ وبلطيم..وأن أفراداً بعينهم هم الذين يحمون هذا العمل غير المشروع، وغير القانوني..تتعدي مساحات أملاكهم من الأراضي أكثر من 1200 فدان، يوفرون لها المياه بهذه الطريقة غير القانونية..الأعجب أنهم يحصلون علي مقابل من مستأجري هذه الأراضي! الغريب كما قال عدد من الفلاحين، وأقره بعض مهندسي الري في بلطيم صدور قرارات إزالة لهذه الفتحات وهذه المواسير، ولكن تعجز الدولة عن تنفيذها، كما تعجز عن توفير مياه الري للمساحات التي احترق زرعها، أو هجرها فلاحوها لعدم وجود مياه..أما الأغرب فهو بيع بعض أصحاب النفوذ المياه المسروقة لمستأجري أراضي زراعة البطيخ أو المزارع السمكية بسعر 500 جنيه للفدان سنوياً، وهو أمر معروف للجميع، بحجة أنهم هم الذين تجرأوا وتحملوا مسئولية عمل الفتحات وتحملوا تكاليف إقامتها. ويؤكد السيد متولي اختلاف مستويات فتحات المياه علي الترع، وانخفاض مستوي منسوبها، مما يزيد من هدر المياه المخصصة لري أراضي البرلس، وفي أثناء مناوبات الري تحصل أراضي الدقهلية علي يومين من حصة كفر الشيخ، ،لذلك علي وزارة الري أن تزيد المقنن، أو تجد حلاً لسرقة المياه خصوصاً التي تروي المزارع السمكية. يضيف المهندس عيد عيسي: تمت إزالة عدد بسيط من المزارع في المنطقة لدينا، باستثناء مزرعتين فقط..والإزالات تمت بمبادرات فردية، وضغوط من مجلس إدارة جمعية الدعاء، في حين أن هناك مئات المزارع الأخري علي جوانب ترع الري في المنطقة بكاملها..ويحددها المهندس رضا عميرة بما يقرب من خمسة آلاف فدان..ألف منها داخل زمام كفر الشيخ، والباقي في زمام الدقهلية..يستهلك الفدان منها ما يزيد علي 15 ألف متر مكعب من المياه سنوياً، وهي الكمية التي يمكن بها ري 8 أفدنة من الزراعات التقليدية. وهذه المزارع السمكية للأسف تتزايد مساحتها في ظل عجز الدولة عن مواجهة أباطرتها، ومنهم مسئولو الري الذين لا يملكون حسب كلام أحد مهندسي ري بلطيم سوي تحصيل غرامات، أو تقدير مقابل انتفاع بالمياه، بعد تحرير محاضر تبديد للمياه كل ستة أشهر. وحماية الأراضي مسئولية وزارة الزراعة، التي لا يقوم قسم حماية الأراضي فيها بأي دور..وإهدار المياه بهذا الشكل خلق مشكلة أسوأ، وهي قيام وزارة الري بخلط مياه الري بمياه الصرف الصحي، والصناعي، والزراعي من مصرف كتشنر لمحاولة سد بعض العجز في مياه الري بنسبة 1:2، وهذا الخلط أسهم في ارتفاع نسب الإصابة بأمراض الفشل الكلوي، والكبد الوبائي، والسرطان في إقليم البرلس بنسبة تفوق المحافظات والأقاليم الأخري، بسبب انتقال ما تحمله مياه الصرف من مخلفات كيماوية، وآدمية، وعناصرها الثقيلة. ويترتب علي نقص مياه الترع المخصصة للري، قيام عدد كبير من المزارعين في مناطق الشهابية وعميرة الشرقية، بزراعة مئات الأفدنة باستخدام مياه الشرب النقية عن طريق مواتير سحب قوية من خطوط مياه الشرب، تؤثر علي وصول المياه لمناطق وقري أخري ، كما يقول المهندس إبراهيم لملوم مدير شركة مياه الشرب ببلطيم ، إنهم أصبحوا يطاردون لصوص المياه بصورة شبه يومية، نتيجة كثرة الشكاوي من انقطاع مياه الشرب التي اهتم بها المهندس محمد عبد الحميد مفتاح رئيس مجلس إدارة شركة مياه الشرب بكفر الشيخ، والذي وجه بضرورة المتابعة المستمرة لها، مؤكداً قيامهم بإزالة كل المخالفات التي تم حصرها، ولكن للأسف يقول المهندس ابراهيم لملوم: وصل الأمر بالبعض إلي قيامه بسحب مياه الشرب بماكينات الري علي خطوط 2 بوصة، ومنهم من يفرغ مياه الشرب من خلال ماكينات السحب في ترع..ولذلك فقد ارتفعت الكميات المسروقة، وتقديرها لا يقل عن نصف المياه المنصرفة لشرب المواطنين من محطتي بلطيم والخاشعة..والتي تصل إلي 17 ألف متر مكعب يومياً. وهكذا فإن المشكلة معقدة، ولكن لدي الدولة الحل إن استطاعت ضبط أداء موظفيها ومنع فسادهم، وواجهت بلطجة لصوص المياه، ومافيا الأراضي المنهوبة، والمزارع السمكية فسوف تستقر أمور المزارعين، وتصل مياه الشرب إلي المواطنين..فهل يحدث ذلك في محافظة تعوم علي بحيرة من الفساد ؟؟؟!!!! مسئول بإدارة ري بلطيم أقر بهذه المخالفات، وصدور قرارات إزالة لها، ولكنهم يعاودون العمل بها لاحتياجهم لري أراضيهم، ويتم تحصيل مقابل انتفاع بالمياه، أو مخالفة، ويتم تحرير محاضر تبديد تقريباً كل ستة أشهر.. وما يمنع استمرار ممارستنا لإزالة المخالفات، هو عدم وجود قوات من الشرطة معنا في أغلب الإزالات لحمايتنا، ففي الشرطة يتحججون بعدم كفاية القوة، في الوقت نفسه الذي يتعدي المخالفون بالسباب والضرب علي مهندسي وموظفي الري..وربما يكون هذا هو السبب المعوق لقيامهم بتنفيذ الإزالات أو منع سرقة المياه. مشكلة أخري تواجه المزارعين، وهي استيلاء بعض مافيا المزارع السمكية علي مصرف المحيط الممتد من زمام الدعاء إلي الحماد، بطول 9 كم موازٍ للبحر، والذي كان يعمل كمانع لوصول ملوحة المياه إلي الأرض الزراعية، واستخدامه كمصرف لجزء كبير من الأراضي، ويصب في مصرف السياح، ولكن تم الاستيلاء عليه من قبل بعض مافيا المزارع السمكية، وأقاموا فيه مزرعة، بعد غلق المنفذ الوحيد لتصريف مياه الصرف المالحة، تحت أعين وزارتي الري والزراعة، ويؤدي إلي غلبة التمليح علي مياه الري.