الشباب ظاهرة اجتماعية تشير إلى مرحلة من العمر تعقب مرحلة، المراهقة، وتبدو من خلالها علاقات النضج الاجتماعى والفني، والبيولوجى واضحة وباكتمال النمو الفعلى للشباب حول سن السادسة عشرة، وازدهار قدراتهم واستعداداتهم وملكة النقد لديهم. بتوقف الشباب عن تقبل الأفكار، والمبادئ، والقيم الجاهزة التى يقدمها إليهم عالم الكبار، وإنما نجدهم يفكرون فيها. ويناقشونها، وينتقدون، وقد ينتهى بهم ذلك الى رفض بعضها على الأقل. وقد يصل الأمر ببعض الشباب إلى تكوين موقف من الكون والناس، وذواتهم هم أيضا، وليس من النادر ان يتعارض مع الصورة أو المثال الذى تقدمه لهم الثقافة. ومن الظواهر اللافتة للنظر فى هذا الصدد ظاهرة الرفض عند الشباب، والتى تظهر فى رفض الشباب للمعايير ، والقيم والسلطة والتوجيه الذى يمارسه الكبار بل ان هذا الرفض أصبح يمثل موقفا عاما موحدا، يظهر فى مواقف عديدة، ومما لاشك فيه ان ذلك الرفض الذى يظهر بين الشباب يرتبط بالظروف التاريخية، والسياسية والاقتصادية التى يمر بها المجتمع والنسق القيمى السائد فيه. غير ان أخطر جوانب أزمة بداية الشباب هى مايعرف بأزمة الهوية التى تنشأ من عدم قدرة الشباب على فهم ذاته الجديدة وتقبلها. والتعامل معها وهى أزمة يتوقف حلها على نضوج الشخص بشكل سوي. كما أن «الاقتصاد» وفقدان المعايير هو مصطلح جديد فى الخطاب السوسيولوجي، يقوم على أساس من التفكك الاجتماعي، وتفتت وحدة المجتمع. فالمقصى هو من لايجد له هوية اجتماعية داخل مجال العمل، والسياسة والأسرة، أى لامكان له داخل المجتمع. إن الإقصاء، مقولة لاتقوم فقط على الاختلاف بل على مقولة الانتماء وعلى القدرة على المشاركة فى المجتمع. والشباب الذى يتبنى ثقافة الحائط هم صنف من الشباب العاطل شباب يعيشون وضيعة من البطالة، والإقصاء وعدم الثبات والهشاشة فى معنى الانتساب الى جماعات الانتماء المحلية فى القرى والمدن، وهم شبان يمضون ساعات طوالا، يسندون ظهورهم إلى الحائط ويحدقون فى انتظار اللاشيء. وينزع هؤلاء «الحيطيون» إلى احتلال وسط المدينة، وأماكنها بمايشبه فراغا يوميا طويلا فى انتظار اللاشيء فهم محبطون ، عاجزون عن الظفر بموقع أو مكانة داخل المجتمع، قد نجدهم فى القاهرة أو دمشق أو الجزائر العاصمة. وتتراوح أغلبيتهم مابين سن خمسة عشر. إلى خمسة وثلاثين عاما تقريبا. انقطعوا عن الدراسة فى المرحلة الثانوية أو الجامعية. وهم جميعا ينحدرون من عائلات فقيرة أو متوسطة الدخل وفى الشارع يجد «الحيطيون» مجالا حرا لاثبات الذات من خلال الصداقات الوقتية التى ينسجونها بأنفسهم، ومنهم الميال للانحراف بما فيه من عنف وجرائم سرقة ومنهم المتكتم على عالم من التحرش، ومنهم المكتفى بنفسه لايتخطى حدود المعاكسات الغرامية العابرة. أما ثقافة الشارع فهى ثقافة شبابية فرعية تتميز بمنطق التحطيم والفوضوية لغة الشارع هى المعنية السهلة لمصادرة ثقافة الشارع أخلاقيا فالعنف اللفظى هو قناة لتصريف عدوانية مستبطنة، تنفصل أخلاقيا عن أخلاقيات الأسرة داخل البيت ولكنها منقطعة عنها تماما بل تتعامل معها. فهى تبتكر يوميا فى الشارع، وتعمم تدريجيا فى لغة التخاطب بين الناس. وشباب الشارع الذى يتسم بالعدوانية وعدم الانتماء للمجتمع الذين يطلق عليهم المشردين والمهملين أو المنبوذين، ينظر إليهم بشكل متعارض، فهناك من ينظر إليهم على أنهم ضحايا لظروف أسرية ومجتمية خارجة عن إيرادتهم وان سواء معاملتهم منذ الطفولة مثل الإهمال، والطرد من المنزل ، والضرب والتعذيب، وتشغيلهم فى سن باكرة، وفى أعمال غير مناسبة لأعمارهم،وفى ظروف صحية غير مناسبة لأعمارهم هى التى تؤدى بهم فى النهاية إلى العسرة ، والبئوس وعدم الثقة فى الآخرين والانضمام إلى عصابات تستغلهم بدنيا ونفسيا واجتماعية ونفسيا، فتقدم لهم بذلك المثال والقدرة لما سيفعلونه وهم شباب وهناك من ينظر إلى شباب الشوارع على أنهم يشكلون خطورة اجتماعية، لذلك وجب التعامل معهم فى إطار قانون جديد للأمن الاجتماعى يكون التعامل معهم فيه، من خلال اتخاذ تدابير تربوية بعيدة عن الإجراءات الجنائية العادية. لمزيد من مقالات د. سامية الساعاتى