حين قام المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء بافتتاح المهرجان القومى السابع للحرف التراثية بقصر الفنون بالأوبرا فى 12 أغسطس 2014، كان ذلك مؤشراً غير مسبوق، بأن تضع الدولة نفسها موضع الراعى للحرف التقليدية المتوارثة ومبدعيها من الفنانين الحرفيين الذين يتواجدون على امتداد كافة المحافظات، قابضين على جمر الأصالة وروح الهوية، حافظين لخبرات الأجيال منذ مئات السنين، وهم لا يجدون من يحنو عليهم ويشعر بمعاناتهم وآلامهم. قطاع الفنون التشكيلية، بالتعاون مع جمعية أصالة لرعاية الفنون التراثية والمعاصرة، استضافا أكثر من 25 جمعية أهلية ومركزا لرعاية الحرف والحرفيين بإبداعات أعضائها فى جميع الفنون التراثية، من النوبة والأقصر حتى سيناء والواحات، من بينهم قرى ومدن تخصصت فى فنون بعينها، وحازت من خلالها شهرة دولية، مثل نجادة وأخميم والفيوم فى الصعيد، وساقية أبوشعرة بالمنوفية وفوة بكفر الشيخ، إضافة إلى عشرات الحرفيين الأفراد من كل مكان على أرض مصر، بعضهم حصد جوائز ذهبية فى مهرجانات عدة، وبعضهم يعمل فى المراكز التابعة لقطاع الفنون التشكيلية أو للهيئة العامة لقصور الثقافة أو لصندوق التنمية الثقافية. كانت إقامة المهرجان بساحة الأوبرا إشارة جديدة إلى اختلاف نظرة أجهزة الثقافة الرسمية إلى الحرف التراثية، بوضعها على قدم المساواة مع الفنون الرفيعة، التشكيلية والموسيقى والباليه، بعد أن طال النظر إليها كمهن أقل شأناً، بما يجعلنا نطلق على ممارسيها المتميزين لقب "الفنان الحرفى". وقد آن الأوان لرد الاعتبار إليهم، وكذا الحقوق المشروعة التى حرموا منها طويلا، بعد أن هجر الكثيرون منهم حرفهم التى عاشوا عليها طيلة عمرهم حتى أوشكت على الاندثار. الندوة التى عقدت بالمهرجان قبيل حفل تكريم الحرفيين وتوزيع الجوائز على الفنانين الفائزين فى مسابقة التصميم للحرف (والتى دفع قيمتها المالية ستة من الفنانين والرعاة)، تعرضت لأهم القضايا والمشكلات الخاصة بهذا المجال، مثل التدريب والتسويق والتوثيق والدعم والتنظيم والرعاية الاجتماعية، وخرجت بتوصيات مهمة كفيلة ببث الحياة فى شرايين الحرف والنهوض بها كى تكون أحد روافد الاقتصاد والدخل القومى، ونحو استعادة وجه مصر الحضارى أمام العالم، وهى توصيات لم تخرج كثيراً عما تضمنه قبل ذلك مشروع جمعية أصالة الذى قدمْتُه إلى رئيس الوزراء خلال حفل الافتتاح، مقترحاً إنشاء جهاز قومى للحرف التراثية يتبع مجلس الوزراء ويقوم على ستة أعمدة هى: صندوق مالى لدعم الحرفيين، وشركة للتسويق المحلى والدولى، ومراكز للتدريب والإنتاج، ومراكز للبحث والتطوير والتوثيق، ونظام للرعاية والتأمين للحرفيين، ومجلس إدارة من الخبراء وأصحاب الشأن بعيداً عن البيروقراطية الحكومية. وقد أبدى رئيس الوزراء ترحيبه بدراسة إنشاء مثل هذا الجهاز، معبراً عن قناعته بالأهمية الثقافية والحضارية للحرف، فوق أهميتها للاقتصاد المصرى وتوفيرها لآلاف المشروعات الصغيرة. جاء معرض استلهام التراث المصاحب للمهرجان – الذى ضم أعمال 40 من كبار الفنانين المعاصرين – لفتة حضارية رائعة، كاستمرار طبيعى لإبداعات الحرفيين، بعيداً عن نظرة التعالى التى كان البعض ينظر بها إليهم سابقاً، وبهذا يتلاحم التراث مع الحداثة فى سبيكة جمالية، فحققا التطبيق العملى للشعار الذى اتخذه المهرجان: "معاً لحماية الهوية"، وكان قصر الفنون والعاملين فيه عاملاً مهما فى نجاح المهرجان، ما جعله نموذجاً يحتذى به فى المعارض المقبلة.