نعجز عن وصف حالة الغضب التي تعتري كل مصري من بعض الليبيين في هذه اللحظات, بسبب هدم تمثال جمال عبد الناصر في بنغازي, لما يمثله هذا الفعل من حقد في نفوس مرتكبيه. فهؤلاء يذكروننا بطالبان أفغانستان عندما اسقطوا بعض التماثيل بحجة انها أوثان, وان الأوثان حرام, ولم يتوانوا عن عملهم رغم رسالة كبار علماء الدين الإسلامي ومن بينهم مفتي الديار المصرية آنذاك الدكتور عبد المنعم واصل الذي راسلهم ورجاهم التخلي عن هذا التخلف. لا نريد القول إنها محاولات مسمومة للنيل من عبد الناصر كرمز قومي وعربي, فعملية الهدم جاءت في زمن لم يعد فيه رموز. إن عبد الناصر برئ من تهمة ملهم ومعلم القذافي, فعبد الناصر بني دولة ولولا بعض الأخطاء لكان شأنها مغايرا لواقعها اليوم, ولكن القذافي استلم دولة وتركها غابة, حتي وصف الغابة برئ من القذافي, فهو لم يترك سوي دمار وخراب. وكان من غروره انه ادعي ان العالم الخارجي لا يعرف ليبيا وانما يعرف فقط القذافي. ليس عيبا في ان يأمل عبد الناصر خيرا في القذافي في بداية الثورة الليبية, فهو رأي فيه شابا قد ينهض ببلاده, وليس مجنونا يجعل من حدودها سجنا كبيرا, حتي عاش القذافي نفسه سجينا داخل جدران العزيزية وسط امنه وحرسه. ما قامت به القوي الظلامية في ليبيا عمل لا يرتق للإنسانية المتحضرة, فالتمثال مجرد مجموعة من الأحجار او كتلة حجرية تهاوت علي الأرض بفعل, ولكن الرمز باق. نعم, الثائر لا يهدم, فتمثال عبد الناصر اقامه من قبل شعب بنغازي, تلك المدينة التي أساءت لنفسها بهذا التصرف الذي ينزع عنها صفة المدينة الثائرة وأول مدينة محررة في ليبيا. وعملية الهدم لن تنزع عن عبد الناصر زعامته. لقد اختزل بعض الليبيين ثورتهم في هدم تمثال, عندما احتشد المئات امام التمثال وقت ان أسقطه البلدوزر الضخم وحاملو المطارق, واذا كانوا يعتقدون انهم بهذا اسقطوا تاريخه, فهم واهمون بالتأكيد. كان لزاما علي الذين قرروا هدم تمثال عبد الناصر ان يأخذوا رأي كل الشعب الليبي الذي كان سيرفض بالتأكيد الموافقة علي هذه الهفوة التي يرتكبها ثوار بنغازي. المزيد من أعمدة محمد أمين المصري