يشهد لبنان هذه الأيام موجة من الشحن والتحريض الدينى بين المسيحيين والمسلمين السنة، عقب تصريح لكاهن مسيحى تناول فيه لحى داعش والنصرة ومن على شاكلتهم بالسباب والشتيمة، ليرد عليه إمام وخطيب أكبر مسجد سنى فى طرابلس، ويدخل فى المعركة رئيس حزب سياسى مذكرا بفضل المسيحيين على المسلمين الأوائل ومتهما المسلمين بhحتلال المشرق العربي. ومنذ اتفاق الطائف مطلع التسعينات، وبعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية التى استمرت 15عاما بين المسيحيين والمسلمين، سنة وشيعة ودروز، لم تشهد لبنان شحنا طائفيا ودينيا مثل هذه الأيام، فمع ظهور جبهة النصرة وداعش فى الصراع الدائر فى سوريا بين الجيش السورى والمعارضة المسلحة تزايدت لهجة العداء للمتشددين الإسلاميين فى لبنان خاصة من المسيحيين والشيعة، وازداد الأمر سوءا مع محاولة داعش والنصرة السيطرة على مدينة عرسال اللبنانية وخطف 20 عسكريا لبنانيا من الجيش وقوى الأمن،وظلت الاشتباكات بين الطرفين عدة أيام انسحب على أثرها مقاتلو داعش والنصرة من عرسال ومعهم الجنود المختطفون، ولاتزال المفاوضات مستمرة بين الطرفين لبنان والتكفيريين - للإفراج عن المختطفين. وخلال المواجهات ظهر إلى الفضاء الإلكترونى حساب يعرف ب«لواء أحرار السنة»، على «تويتر» راح يهدد ويتوعد المسيحيين والشيعة فى لبنان، بأن أحرار السنة سيبدأون المسيحيين والروافض الشيعة من لبنان لإعلان إمارة لبنان الإسلامية، وبعد أيام من ظهور حساب أحرار السنة رد عليه حساب آخر بعنوان لواء أحرار الصليبيين فى لبنان،مؤكدا أن المسيحيين لن يسمحوا لقاطعى الرءوس أن يدخلوا لبنان بلد التسامح والعيش المشترك. وبالرغم من القبض على مشغل (أدمن) موقع لواء أحرار السنة، وإغلاق الحساب ظلت النار مشتعلة تحت رماد الفتنة حتى ألقى الأب سليم مخلوف، كاهن رعية الشياح ببيروت عظة بمناسبة مرور ذكرى أسبوع على إستشهاد العقيد دانى حرب والنقيب دانى خيرالله فى معارك عرسال الأخيرة، أهان فيها عناصر داعش ومن على شاكلتهم. وبمجرد تداول اللبنانيين لكلام الكاهن أصدر مدير المركز الكاثوليكى للإعلام الأب عبدو أبو كسم بيانا أكد فيه تأنيب كاهن الشياح الذى أساء لأصحاب اللحى حيث تم استدعاؤه من قبل السلطة الروحية المسئولة عنه ،وتلقى منها تأنيبا شديدا عن تصرفه الخارج عن توجيهاتها وعن الأعراف الثابتة، مضيفا أن السلطة الروحية يهمها أن تؤكد للرأى العام أنها تدين مثل هذا التصرف، وتتمنى عدم الرد على الإساءة بالإساءة وذلك حفاظا على المودة القائمة بين أبناء الوطن الواحد وأبناء الديانتين الكريمتين وإلى وحدة الصف التى نحن فى حاجة إليها وبخاصة فى هذه الظروف. وبالرغم من البيان والاعتذار عن إساءة الكاهن وتأنيبه، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد انطلق العفريت من القمقم، ليرد إمام وخطيب مسجد الأمير سيف الدين طينال الشيخ عبد القادر عبدو المعروف ب» أبو إبراهيم» فى أكبر مسجد بطرابلس كبرى مدن الشمال اللبنانى حيث الأغلبية السنية ومعقل السلفية الجهادية وشيوخها فى لبنان، خلال خطبة صلاة الجمعة الأسبوع قبل الماضي، ويشن هجوما لاذعا فيه تحريض واضح على المسيحيين والأرمن والجيش فى لبنان. كما وجه الشيخ أبو ابراهيم تحية لنواب طرابلس الثلاثة وأسماهم المجاهدين وهم خالد ضاهر ومعين المرعبى وابو العبد كبارة، وهم متهمون بدعم المقاتلين التكفيريين فى الحرب داخل سوريا ومن داعميهم بالمال والسلاح ويوفرون غطاء للخارجين عن سلطة الجيش والأمن فى طرابلس من العناصر المتشددة. وبعد تداول مقاطع من الخطبة التحريضية ضد المسيحيين والأرمن والجيش اللبناني، لم يعلق مسئول حكومى واحد، ولم يصدر عن دار الفتوى إدانة لأقوال خطيب وإمام أكبر مسجد فى طرابلس، كما لم يتراجع الشيخ عن أقواله، مما أثار حفيظة سياسيين مسيحيين فى لبنان ومنهم رئيس حزب المشرق المحامى رودريغ خورى الذى وجه رسالة ساخرة للشّيخ عبد القادر عبدو رداً على خطبة الجمعة، حيث أكد أن المسيحيين هم الأصل فى المشرق بقرون قبل ظهور الإسلام. وختم رسالته مؤكدا: أننا نحب إخوتنا المسلمين، وندعو إلى أن ننسى الماضى الأليم لنبنى معاً مشرقاً متعدداً ، تسوده الحرية الدينية والمحبة والاحترام المتبادل. ومع تزايد وتيرة الشحن الدينى والمذهبى والطائفى فى لبنان يخشى الكثيرون أن يؤدى ذلك إلى إشتعال نار الفتنة بين المسلمين السنة والمسيحيين ،او بين الشيعة والسنة ولاسيما ان السنة فى لبنان يفتقدون وجود الزعيم السياسى بينهم بغياب رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري، مع تنامى السلفية الجهادية فى طرابلس وصيدا، فى ظل الفراغ الرئاسى فى لبنان والمشاركة الهزيلة للسنة فى الحكومة ومشاركة حزب الله فى الحرب داخل سوريا إلى جانب نظام بشار الأسد العلوى ،ومع تمدد داعش عراقيا وسوريا. وبدلا من أن يكون رجال الدين المسيحيون والمسلمون على قدر المسئولية فى حفظ الحد الأدنى من قيم العيش المشترك وعدم التحريض ضد الطوائف والمذاهب الأخرى ،يشتعل الشارع اللبنانى تأييدا ومعارضة بين المسلمين والمسيحيين بسبب كلام لكاهن مسيحي، ليصل الشحن مداه مع أول صدام مسلح ليدخل لبنان هذه المرة دوامة قتال قد تقضى على وجوده، وسط تأهب داخلى من خلايا داعش والنصرة النائمة ،وتربص خارجى من إسرائيل، فهل يدرك اللبنانيون مواطنين ومسئولين ورجال دين المخاطر المحيقة بهم ،حتى ينزعوا فتيل القنبلة التى ستبيدهم جميعا؟.