كلما تطرق الرئيس السيسى للحديث عن الأمن القومى المصري، والأمن العربي، خاصة أمن دول شبه الجزيرة العربية، والأخطار التى أطلت وتطل برأسها الآن بكل قوة، قال «مسافة السكة». ولأنه يقولها ببساطة ووضوح، وثقة وحسم، فإن الناس يدركون أنه يعنى ما يقول تماما، وأنه يعبر بذلك عن أهل مصر، ويعلن التزاما أصبح من أهم محاور الاستراتيجية المصرية. والأمر هنا يتعلق بمواريث العمل العربي، بل بموقف يعكس إدراكا بأن الأخطار الحالية لا تهدد الأمن فقط، بل تهدد وجود دول المنطقة ذاته. وهنا يجدر بنا أن نتذكر، أن حاكما لدولة عربية صغيرة، أصبحت من أهم رعاة الإرهاب، أعلن أن المملكة السعودية لن تكون موجودة عام 2015. وسواء أكان يهذى أم يكشف عن مخطط موجود، فإن ما يجرى بالدائرة المحيطة بكل من السعودية والإمارات والبحرين والكويت ومصر، والتى تضم اليمن والعراق وسوريا وليبيا وتونس والسودان، يكشف عن وجود أخطار وتهديدات غير مسبوقة، فالانقسام والصراع الطائفى وملامح الحرب الأهلية والعمليات الإرهابية، واستيلاء «منظمة داعش» على محافظتى نينوى وصلاح الدين، والإعلان عن إنشاء دولة خلافة إسلامية فى المناطق الغربية للعراق والشرقية فى سوريا، تؤكد للجميع أن الامتداد الى قلب الدائرة، خاصة فى مصر والسعودية هو الهدف الأهم . ومن الواضح أن القيادة المصرية، قررت اعتبار أى تهديد لأمن دول شبه الجزيرة، خاصة السعودية والإمارات، أمرا يتطلب عملا إيجابيا وفعالا لمواجهته. وهذا ما دفع الرئيس لكى يقول «مسافة السكة» أى أن القوات المصرية المسلحة ستتحرك فورا لمواجهة أى تهديد. والأمر بالنسبة لهاتين الدولتين من مصر لا يحتاج لبيان، فعندما بدأت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، فى اتخاذ إجراءات لعقاب مصر بعد عزل الرئيس الإخوانى يوم 3 يوليو 2013، كان للملك عبدالله بن عبدالعزيز موقف حاسم ضد كل من يحاول الاقتراب من مصر، وعلى نفس الدرب سارت دولة الإمارات. والموقف التجديد يشكل متغيرا جذريا فى التوجهات الاستراتيجية المصرية، فرضته الأخطار المحيطة بالمنطقة. وبجانب هذه الأخطار، هناك الغدر الأمريكى بالحلفاء والأصدقاء بشبه الجزيرة العربية، وقد بدأت ملامح هذا الغدر، عندما تخلت الولاياتالمتحدة عن سياسة الحصار والعقاب، وبدأت فى إجراء محادثات مع إيران حول القضايا المحلية والإقليمية والدولية، ولم تكن المحادثات بين الدولتين لتقتصر على الأزمة النووية، بل تمتد لتشمل إعادة ترتيب الأوضاع بما يحقق مصالح الدولتين. أما الولاياتالمتحدة، فتريد إعادة تشكيل التوازن الإقليمى لكى يستند الى مثلث يضم إيران وتركيا وإسرائيل. هذه الأخطار التى ترتبت على الغدر الأمريكي، بالإضافة إلى قوس أو دائرة الأخطار المحيطة بدول شبه الجزيرة ومصر، أبرزت حاجة دول شبه الجزيرة الى ظهير عربي، وهكذا أدت الأخطار المتعاظمة الى تلاقى الإرادات والمصالح، بجانب وحدة الأهداف، فكان التغيير الجذرى فى الاستراتيجية المصرية الذى لخصته جملة السيسى «مسافة السكة». لمزيد من مقالات عبده مباشر