رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة. "بابا روما فرانسيس يقول : "إن الأخبار التى تصلنا من العراق تتركنا مذهولين وتثير فينا الارتياب"، كانت تلك هى الرسالة القصيرة التى وصلتنى. فالبابا فرانسيس بابا روما زعيم دينى روحى لأكثر من مليار ومائتين ألف من البشر. وجاء إعتراف البابا بمشاعر الذعر والإرتياب مما يقوم به أتباع ما يعرف ب "الدولة الإسلامية" (داعش) فى الأراضى العراقية متماشيا مع العقل والمنطق. وأضاف البابا :"هذا كلّه يهين الله والبشريّة. وبالتالى لا ينبغى حمل الكراهية باسم الله! ولا شنُّ حرب باسم الله!". وناشد البابا فرانسيس فى خطاب وجَّهه للأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون إتخاذ إجراء لوقف المأساة الإنسانية الحالية ضد المسيحيين و"الأقليات" الدينية الأخرى فى العراق. وحث البابا فى خطابه وكالات الأممالمتحدة على تولى مسئولية الأمن والسلام وتنفيذ القانون الإنسانى ومساعدة اللاجئين. ولكن مما أثار الإنتباه كانت دعوة الفاتيكان الزعماء الدينيين المسلمين لإدانة "الأعمال الإجرامية التى لا يمكن وصفها لمتشددى تنظيم الدولة الإسلامية". ووفق وكالات الأنباء قال بيان المجلس البابوى للحوار بين الأديان أن محنة المسيحيين واليزيديين تتطلب "موقفا واضحا وشجاعا من جانب الزعماء الدينيين وخصوصا المسلمين والأشخاص المشاركين فى حوار الأديان .. وعلى الجميع أن يتحدوا فى إدانة لا لبس فيها لهذه الجرائم والتنديد بإستخدام الدين لتبريرها .. وإذا لم يحدث ذلك فما هى المصداقية التى ستكون عليها الأديان وأتباعها وقادتها؟" ووفق ما جاء بوكالة الأنباء الفرنسية فإن الإعلان أضاف : "على الجميع أن يدينوا بصوت واحد ودون لبس هذه الجرائم وأن ينددوا بالتذرع بالدين لتبريرها". وإن غياب الإدانة سيفضى إلى فقدان "مصداقية الحوار بين الأديان الذى أطلقناه بصبر فى السنوات الماضية". وأضاف "على مر القرون عاش المسيحيون إلى جانب المسلمين مما أدى الى قيام ثقافة تعايش وحضارة يفتخرون بها" فى حين تسعى "الدولة الإسلامية" مع إعلان "الخلافة" إلى القضاء على الحوار بين المسيحيين والمسلمين. وقال الفاتيكان إن إعلان الخلافة أدين "من معظم الهيئات الدينية والسياسية الإسلامية". إذا فقد بدأت "خلافة داعش" فى التقدم نحو إحداث "الفتنة العالمية" بين الإسلام والمسلمين من ناحية وباقى الديانات من ناحية أخرى. وأصبح العالم يتعامل مع "خلافة داعش" على أنها "إسلامية" فعليا!! بل والأكثر خطورة هو أن الفاتيكان أصبح يوجه رسائله إلى رجال الدين الإسلامى للتدخل لوقف ما يقوم به تنظيم "الدولة الإسلامية". بإختصار يبدو أن هناك من "إنطلى عليه" أمر "خلافة داعش" و"تنظيم الدولة الإسلامية"، فظن أن "داعش" وأشباهها هم مجموعة "مسلمة" فعليا (لا علاقة لها بالغرب) تتحرك وفق مبادئ ومصالح إسلامية تجاه باقى أصحاب الديانات الأخرى فى العراق وأنحاء العالم!! وهناك من يريد أن يقنع المسلمين بأنهم يتحملون نتيجة أفعال تلك "الجماعة" أو "الخلافة" أو "التنظيمات المشابهة"!! وفات الجميع عدة أشياء ينبغى الإشارة إليها بوضوح وهى : أن غالبية الضحايا الذين أطاح تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش سابقا) برؤوسهم ومثَّل بجثثهم كانوا من المسلمين فى كل من سورياوالعراق ولبنان. وأن هذا التدمير المُمَنهج المنتظم والمستمر منذ عامين على الأقل يتم ضد المسلمين الذين يشكلون أغلبية سكان العراقوسوريا. بل والغريب أن السلاح الذى يحمله هؤلاء والذخيرة التى ينفذون بها خططهم ليست مصنوعة فى الدول الإسلامية. كما أن التدمير وحالة الإضطراب التى يحدثها هؤلاء تتم بالكامل على أراضى دول عربية وإسلامية فى الأساس. ومن "الطريف" أنه بعد أيام من تدخل الولاياتالمتحدة عسكريا أكدت أنها لا تريد إبادة التنظيم المدمر!! بل والأكثر "طرافة" أن التنظيم لا يتوعد الدول الأجنبية بل هو يستهدف الدول الإسلامية وشعوبها بشكل واضح وصريح إلى درجة تنكيله وتمثيله فى وقت سابق بجماعات جهادية سلفية متطرفة كانت تقاتل فى سوريا!! أما فيما يتعلق بالإسلام فالجميع يدرك بصراحة ووضوح أن القرآن الكريم الذى أنزله الله على رسوله الكريم حمل أوامر واضحة :"وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"(سورة البقرة - الآية 190). لقد حان الوقت لأن يتحد "الجميع" لإحلال كلمة العقل والسلام ووقف التلاعب بالأديان. فلا يمكن أن يترك العالم وشعوبه، وأن تُترك الديانات المنادية بالخير والسلام نهبا لمجموعات أو أشخاص يتخفون وراء الدين لتحقيق أهدافهم "الجنونية"!! لقد حان وقت إعمال العقل والتعاون بين أتباع مختلف الأديان والمؤسسات الدولية وبين المجتمع الدولى لإنقاذ البشرية من الأخطار التى تتربص بها. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ