بؤساء .. عراة .. مشردون.. يملأ بكاؤهم فضاء الصحاري بعد أن لحقهم الجوع في مأكلهم و الظمأ في مشربهم ...هذا المشهد الإنساني المفزع هو حال حياة أطفال جنوب السودان بعد أن أصبح الموت أهون عليهم من لهيب الحياة القاسية التي يعيشونها. فجنوب السودان الدولة الأحدث في العالم التي لم يتجاوز عمرها سوى بضع سنوات تقف على شفا أسوأ مجاعة حدثت في تاريخها ، يأتي ذلك بعد أن حذرت وكالات الإغاثة من انتشار المجاعة على نطاق واسع خلال الأسابيع القادمة ما لم يتخذ أي إجراء حيالها ، مؤكدة على أن الوضع ربما يتحول إلى أسوأ مما كانت عليه مجاعة أثيوبيا عام 1984، لتدق بذلك أجراس الخطر حيث أن أكثر من 3،9 مليون شخص معرضون للموت جوعا ما لم يتغير الوضع. وهذه المجاعة ليست الأولى في تاريخ جنوب السودان فقد شهدت مجاعة موحشة في أوائل تسعينيات القرن المنصرم,والتي لاقى بسببها عشرات الآلاف حتفهم لتلحقها مجاعة أخرى عام 1993 توفى على إثرها 250٫00 شخص , ثم تكررت مرة أخرى عام 1998، وتوفي فيها 70٫000 شخص، ويستخدم مصطلح المجاعة عندما يواجه ما لا يقل عن ثلاثين بالمائة من الأسر نقصاً شديدا في الغذاء . وتعود المجاعة التي تلوح في أفق جنوب السودان إلي الصراعات الدائرة بين حكامها الذين تفرغوا للاقتتال فيما بينهم طمعا في السلطة تاركين وراؤهم آلاف المواطنين عرضة لمجاعة بعد أن ارتكبوا أبشع الجرائم الإنسانية من قتل جماعي ,وذبح المدنيين, واغتصاب , وتجنيد الأطفال . وقد وصل الحال بآلاف المواطنين من جنوب السودان الوقوف تحت نيران الشمس الحارقة منتظرين أن تهبط عليهم الإمدادات الغذائية الطارئة من السماء ،بواسطة منظمات الأممالمتحدة ، وذلك بعد أن تسبب الاقتتال الداخلي إلى عدم تمكن المزارعين من زرع محاصيلهم التي اعتادوا على البدء بزراعتها في ابريل ومايو من كل عام خشية الوقوع في خضم الصراع القائم, مما أفضى إلى نقص الغذاء. ومن ناحية أخرى دفع الاقتتال إلى نزوح أكثر من مليون ونصف شخص لكينيا خلال الأشهر الماضية، كما لجأ الآلاف إلى أدغال السودان معتمدين في غذائهم على النباتات التي تنمو على ضفاف النيل بالإضافة إلى أنهم يشربون من مياه النهر مباشرة ، لتفتك بهم الأوبئة مكتملة بذلك الصورة البائسة لمواطني الجنوب الذين لطالما حلموا بأن يأتى "الفرج وبحبوحة العيش" مع إعلان دولتهم الجديدة. وتفتح المجاعة المحتملة في جنوب السودان صفحة أخرى من صفحات الألم في تاريخ أطفال إفريقيا بعد أن أعلنت منظمة الأممالمتحدة للطفولة (اليونيسيف) إن أكثر من 20 طفلا يموتون كل أسبوع نتيجة إصابتهم بأمراض يمكن الوقاية منها مثل الإسهال والملا ريا والالتهاب الرئوي وهي أمراض يفاقمها سوء التغذية علاوة على عدم وجود رعاية صحية بعد أن هدمت المستشفيات , لتعيد إلى الأذهان ماحدث في إثيوبيا التي شهدت عام 2011 أسوأ موجة جفاف منذ 60 عاما أودت بحياة الآلاف. وبالرغم من أن برنامج الغذاء العالمي قد وفر المواد الغذائية لأكثر من 1٫4 مليون نسمة في شهر يونيه الماضي , إلا أن الوضع يزداد سوء نتيجة ما تواجهه المنظمات الدولية والتي تعتبر السبيل الوحيد لإنقاذ آلاف المواطنين في جنوب السودان من صعوبات جمة فى نقل المواد الغذائية بسبب سوء شبكة الطرق, كما منع الاقتتال وكالات الإغاثة من نقل الأغذية إلى الأماكن التي بحاجة ماسة إليها خصوصا في المناطق النائية بولاية جونجلى والوحدة وأعالي النيل . ومما يزيد الأمر تعقيدا أن برنامج الغذاء العالمي المسئول الأول عن إمداد المتضررين يواجه فجوة ما بين ما يحتاج إليه لتلبية الاحتياجات الإنسانية في جنوب السودان وبين التمويل المتاح لديه ولا سيما بعد إعلان الأممالمتحدة انه لم يتوفر لديها سوى قرابة 40 في المائة من الأموال التي كانت تهدف إلى جمعها بغرض تخفيف أزمة الغذاء، مما يكشف عن وجود عجز يبلغ نحو مليار دولار يعيق تنفيذ خطة مواجهة أزمة جنوب السودان .