المتابع لأحداث ثورتنا المصرية يجد تشابها كبيرا بين شخص الملهم الذي اختزله الناس في الدكتور محمد البرادعي وبين المهاتما غاندي الزعيم الروحي لحركة استقلال الهند. ويتجلي هذا التشابه في الطرق المستخدمة لمقاومة الظلم والفساد والاستبداد, وليس في الصفات الشخصية لكل منهما. غاندي.. كان محاميا مغتربا بجنوب أفريقيا, في الفترة التي كان خلالها المجتمع الهندي يناضل من أجل الحقوق المدنية, وبعد عودته إلي الهند في عام1915, قام بتنظيم احتجاجات ومعه الفلاحون والمزارعون والعمال في المناطق الحضرية ضد ضرائب الأراضي المفرطة والتمييز في المعاملة, وقاد حملات وطنية لتخفيف حدة الفقر, وزيادة حقوق المرأة, وبناء وئام ديني ووطني, ووضع حد للنبذ, معتمدا في جميع مطالبه علي استخدام أساليب اللا عنف. البرادعي.. تخرج في كلية الحقوق من جامعة القاهرة, كان مغتربا في فيينا في أثناء عمله كمدير للوكالة الدولية للطاقة الذرية, وفي تلك الفترة كانت الشوارع المصرية تموج بالمظاهرات والاحتجاجات المطالبة بتحسين الأجور ومحاربة الفساد والاستبداد الذي انتشر في كل مكان, وبعد عودة البرادعي إلي مصر في عام2009, قام بإعلان تشكيل جمعية وطنية برئاسته للضغط علي النظام لتعديل الدستور ومحاربة الفساد وإلغاء الطوارئ, تجمع في عضويتها مجموعة من النشطاء.. مستخدما نفس أسلوب غاندي اللاعنف لتحقيق مطالبه. غاندي.. أسس ما عرف في عالم السياسية بالمقارمة السلمية,وهي مجموعة من المبادئ تقوم علي أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد, ملخصها الشجاعة والحقيقة واللا عنف, وتهدف إلي إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي الكامل والعميق بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة علي مواجهة هذا الخطر باللا عنف أولا, ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر. البرادعي.. أسس أيضا ما يعرف حاليا في مصر بالمقاومة السلمية, وظهرذلك في جميع المظاهرات التي كانت تردد سلمية سلمية, وبالفعل تم تكوين مجموعات من الشباب تتسم بالشجاعة وكشف الحقيقة لمواجهة خطر استبداد السلطة وإلحاق الهزيمة بها باللأعنف أولا, أما استخدام العنف اذا لزم الأمر فأعتقد أنه بعيد عن أسلوب البرادعي وأنصاره حتي الآن. غاندي.. قرر في عام1932 البدء في صيام حتي الموت احتجاجا علي مشروع قانون يكرس التمييز في الانتخابات ضد المنبوذين الهنود, مما دفع بالزعماء السياسيين والدينيين إلي التفاوض والتوصل إلي اتفاقية بونا التي قضت بزيادة عدد النواب المنبوذين وإلغاء نظام التمييز الانتخابي, وتعرض غاندي في حياته لستة محاولات لاغتياله, وقد لقي مصرعه في المحاولة السادسة في30 يناير1948 وقال غاندي قبل وفاته جملته الشهيرة سيتجاهلونك ثم يحاربونك ثم يحاولون قتلك ثم يفاوضونك ثم يتراجعون وفي النهاية ستنتصر. البرادعي.. قرر في14 يناير2012 انسحابه من الترشح للانتخابات الرئاسية التي ستجري خلال الشهور المقبلة, وذلك لما وصفه بالتخبط في الفترة الانتقالية وغياب أجواء الديمقراطية في مصر تحت قيادة المجلس الأعلي للقوات المسلحة, والدكتور البرادعي لم نسمع أنه تعرض لأي محاولة اغتيال حتي الآن, ولكن السلطة في مصر تجاهلته, وحاربته وتفاوضت معه, وحتي وقتنا هذا لم يتراجعوا وفي النهاية لا نعرف من سينتصر. وتبقي كلمة للدكتور البرادعي, الذي أطلق عليه الكثيرون غاندي المصري, لقد كنت الشمعة التي حاولت إضاءة جميع الشوارع المظلمة في مصر, حاولت وحاولنا معك, ولكنك لم تشعر مريديك يوما بأنك فداء لهذا الوطن مثلما فعل غاندي الذي أعلن الصيام حتي الموت, أعرف أن هناك اختلاف في الزمان والمكان, ولكن الهدف الذي جمعكم كان ولا يزال واحدا.