تضمن تشكيل الحكومة الجديدة وزارة مختصة بتطوير العشوائيات. خطوة هامة بكل تأكيد نأمل أن تكون مؤشرا على بدء تنفيذ سياسة جادة لضمان حق المواطن المصرى فى السكن الآدمي، وهو حق توافقت البشرية على اعتباره أحد الحقوق الأساسية للإنسان، وبند من بنود الدستور الجديد الذى وقفنا ساعات طوالا للتصويت عليه بنعم. الدستور ينص على أن ثروات مصر الطبيعية ملك للشعب. أراضى مصر الواسعة ملك للشعب، والدولة تنوب عن الشعب فى إدارتها. كل مواطن له الحق فى سكن آمن على قطعة من أرض بلده. والدستور ينص على أن الحكومة تكفل للمواطنين الحق فى سكن آدمى تتوافر له الشروط الصحية. تنفيذ بنود هذا العقد الذى صار يحكم علاقتنا بالحكومة الحالية وكل حكومة مقبلة يتطلب أمرين، أحدهما أن تلتزم الدولة بتوفير مساكن آدمية للسكان محدودى الدخل، والثانى أن تقوم الدولة بدورها فى تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر. مبدئيا، ومنعا لأى سوء فهم، أنا لا أتحدث وفى ذهنى لا سمح الله أى نموذج لدور الدولة بعيدا عن منظومة اقتصاد السوق. فالحقيقة أنه حتى فى الدول الرأسمالية التى تطبق نظام السوق تتولى الدولة توفير نسبة معينة من إجمالى المساكن التى يتم بناؤها لشرائح السكان محدودى الدخل والشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة. وهى تقوم بذلك سواء تولت عملية البناء بنفسها أو قامت بشراء المساكن من القطاع الخاص وتولت هى تأجيرها للمواطنين. فى فرنسا مثلا تلتزم الدولة بأن يكون 20% من المساكن التى يتم بناؤها مخصصة لمحدودى الدخل، ويتم تفعيل هذا الالتزام سواء من خلال الحكومة المركزية أو المحليات. ولعله من المثير للاهتمام أنه قد يحدث أن تتقاعس بعض المجالس المحلية، التى يرى سكانها أنهم «من علية القوم» ولا يريدون الاختلاط بعامة الشعب، عن بناء المساكن المطلوبة. والحل الذى تلجأ إليه الدولة فى هذه الحالة هو فرض غرامات مالية مرتفعة على تلك المجالس تظل تتصاعد من سنة لأخرى وتؤول إلى الموازنة العامة للدولة. والتجربة العملية تثبت أن الغرامات تصل فى النهاية إلى الحد الذى يدفع المجلس المحلى إلى التراجع وبناء المساكن المطلوبة. يقولون لنا دائما إن دور الدولة فى اقتصاد السوق هو دور المنظم والمراقب. إذن هذا هو بالضبط ما نريد منها أن تفعله بشأن الإيجارات الجديدة للمساكن، التى صار يحكمها شريعة الغاب منذ صدور قانون الإيجارات الجديد فى عام 1996. تحدثوا طويلا عن أهمية تحرير الإيجارات وتركها للعرض والطلب حتى يكون الإيجار مجزيا ويشجع الملاك على التأجير، كما تحدثوا عن عدالة وجود أجل محدد لعقد الإيجار وتعديل قيمة الإيجار عند التجديد، مراعاة للزيادة فى تكاليف المعيشة وارتفاع المستوى العام للأسعار . قالوا إن هذه القواعد الجديدة فى عقود الإيجار ستنهى مشكلة الإسكان وسيجد الشباب حلا لمعضلة العجز عن شراء شقة تمليك . فالبديل صار متاحا.. شقة إيجار جديد وعقد يحقق التوازن بين مصالح كل من المالك والمستأجر. لكن الواقع أثبت أن صدور ذلك القانون كان بمثابة إيذان للملاك بأن افعلوا ما يحلو لكم والدولة لن تتدخل! فى الأقاليم صار الناس يسكنون بدون عقد إيجار أصلا، ليصبح من حق المالك أن يطرد المستأجر فى أى لحظة وحينما يريد. فى القاهرة والمدن التى يحصل فيها الساكن على عقد إيجار، القاعدة العامة هى أنه يكون عقدا قصير المدة ولا يزيد فى أغلب الأحيان عن ثلاث سنوات، وفى كل الأحوال يحق للمالك أن يطلب إخلاء المسكن قبل انقضاء مدة العقد. لا أحد يمكن أن يتنبأ بقيمة الإيجار عند تجديد العقد، فالمالك حر تماما فى أن يطلب الزيادة التى يريد حتى ولو كانت 50% أو 60%، بل إن كثيرا من الملاك صاروا يفرضون زيادة سنوية فى الإيجار 25%. وبالنسبة للمستأجر إما الدفع أو الطرد. لا يهم أننا نتحدث هنا عن أسرة فى مقتبل العمر ربما صار لديها أطفال أيضا، عليها إما أن تقبل صاغرة بالزيادة الجديدة فى الإيجار وتقتطع من قوتها كى تتمكن من الوفاء بقيمة تلك الزيادة، أو تجد نفسها فى الشارع لتبدأ رحلة البحث عن مسكن آخر، لمدة مؤقتة أخري. نتحدث عادة عن ارتفاع إيجارات المساكن فى أحياء الطبقة المتوسطة لتتراوح بين 1500 جنيه 3000 جنيه، وتتجاوز تلك المبالغ فى المدن الجديدة، ولا نتحدث أبدا عن إيجارات المساكن فى العشوائيات! هل خطر ببال أحد أن تلك المساكن التى تفتقر إلى المرافق وإلى مواصفات البناء المأمون أصلا تصل فيها معدلات الإيجار إلى مئات الجنيهات؟ بل ويتحمل المستأجر زيادة سنوية، وأحيانا شهرية، فى قيمة الإيجار؟ ففى ظل القانون الحالى للإيجارات وغياب أى رقابة على أسس تحديد الإيجار، لم يعد هناك أى علاقة بين موقع الوحدة السكنية وثمن الأرض فيها وتكلفة البناء ومستوى تشطيب المبنى والوحدات السكنية وبين قيمة الإيجار الذى يطلبه المالك. نريد عقود إيجار مستقرة تنص على زيادة سنوية معلومة مسبقا ويتفق عليها الطرفان من البداية ويتم الالتزام بها طوال مدة العقد. نريد أسسا موضوعية واضحة لتحديد قيمة الإيجار، تأخذ فى الاعتبار تكلفة الأرض والمبانى ومستوى التشطيب واختلاف الموقع، نريد عودة لجان تقدير الإيجارات التى اختفت، نريد القضاء على شريعة الغاب. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى