"تعتبر الأديبة والناقدة والباحثة د.ملحة عبدالله مشروعا ثقافيا وملمحا إنسانيا خاصا, بل ظاهرة حياتية تستحق احترام الجميع." تلك مقولة أطلقتها اليونسكو عندما كرمتها منذ عامين علي خلفية فوزها بجائزة المونودراما لنص »العازفة« كأول سيدة عربية تفوز بهذه الجائزة. وللكاتبة 53نصا مسرحيا وعشرون كتابا نقديا, وهي مسرحية سعودية نشأت في "أبها"" وحصلت علي الثانوية العامة من مدرسة السنية بالقاهرة، وهي ضمن من نحتوا في الشخصية العربية من خلال ما يربو علي ثلاثة وخمسين نصا وكذلك موسوعات تتعلق بنقد الذات وبالأنساب..عن تلك الموسوعات وعن إبداعها سألناها.: أنت بصدد الانتهاء من مشروعك المرتبط بنقد الذات والأنساب والأصل في الهوية.. هل لنا أن نتعرف عليه؟ اقتربت من الصيغة النهائية لموسوعة عبقرية المكان والزمان أو »موسوعة النص«, وهي دراسة حالة للإنسان العربي, تلك الحالة الفريدة التي لا يمكن استنساخها، فقط تتأثر وتؤثر بتفاعلية من خلال تلاحمها بثقافات أخري، ولكن تظل متفردة. وما أهم ما يميزها؟ الاستمرارية وعدم العصبية الثقافية.. كما أنها شخصية أممية، وقد قال عنها الأديب الانجليزي "سيجنر" وكذلك "بل فريدمان" إنها ستُدرس في المناهج العالمية بعد ألف عام، لقدرتها علي تغيير حضارات العالم وسيادتها. لكن عندما أرصد حالتنا الآنية أجد أن هناك تضاؤلا لقيمة الإنسان أمام الأشياء وأن المعايير القيمية المتعارف عليها باتت في غير موضعها، وهذا انعكاس لسمات التغريب والاغتراب, وهو الأنسب لوصف ما نعيشه الآن. وبالتالي نحن نعاني وضعا ثقافيا هو في أدني حالاته. ومن المسئول عن هذا؟ النخبة .. لأنها هي التي ترفع الكتلة, فإذا ضعفت سواعدها سقطت الكتلة الشعبية، كما أنها المسئولة عن صياغة الوعي والوجدان وكذلك تغييره.. لقد انكسر الجسر الرابط بين النخبة والعامة، وفي حالات الانكسار يحدث كل شيء وأي شيء، وأيضا غاب الناقد في ثقافتنا ونتج عن ذلك غياب للوعي العام. ولماذا حدث ذلك؟ عندما حدث تعال في الخطاب بينهما، مما دفع إلي الهروب لثقافات أخري خاصة في كوادر الشباب، كما أن بعض النُخب ضلت طريقها عندما اتخذت طريق التلقين والإملاء دون التفكير المنهجي أو التعليم النقدي, الذي فيه يتلقي الفرد ويحلل ويفسر ويقرر دون أن ينساق ودونما تغليب العاطفة علي التفكير. وفي تصوري أن هذه المعطيات كانت السبب الحقيقي وراء الثورات العربية التي قامت في معظمها علي يد الشباب. وماذا علي النخبة أن تفعل الآن؟ إن تعرف قدر ما يعول عليها. وسوف تساعدها الكتلة العامة التي في ضميرها البقاء, وهي يمكن أن ترتقي لدرجات عليا إذا وجدت من يأخذ بيدها. أنت هنا تؤكدين جاهزية المتلقي ؟ إن هذا المتلقي قد عثرت عليه منذ أكثر من عشر سنوات من خلال نص «اغتيال المواطن دو». كيف؟ اغتيال المواطن دو «نص مسرحي قدمته في مدينة السويس عام 2002 ويتحدث عن بيع الانتصارات التي حققتها الشعوب لمصلحة شعارات جوفاء.لقد جمهور مدينة السويس أن يستوعب المغزي والملمح في النص, وكانت مفاجأة لكل صانعي القبح بدعوى أن الجمهور «عايز كده». لماذا في رأيك لم تفرز ثورات الربيع العربي حتي الآن إبداعات تليق بها؟ لابد لأي ثورة أن تعبر عن نفسها إبداعيا, ولكن يحتاج هذا لإطار مرجعي يتجاوز حقبة من الزمن, ثم يحدث انقلاب في المعطي الثقافي. فالحرب العالمية الأولى والثانية ظهرت بعدهما السرياليةو العبث والتعبيرية, وأنواع الرفض التام لكل شيء، أري ثورات فنية قادمة ولكن ملامح ذلك لم تظهر بعد، ثورات ليس في نوع الكلمة، أو الخطاب فقط ولكن من خلال مدرسة جديدة. وسوف تكون شيئا مخالفا تماما لما قبلها, وستفرض نفسها. فالإبداع يولد ولا يضيع، هل تعرفين أن »ميرامار« سنين طوالا في مخيلة نجيب محفوظ وخرجت فجأة. كتبت ما يربو علي 53 نصا مسرحيا ولم نتحدث سوي عن "المواطن دو" نحن نريد التعرف على بعض منها؟ «التميمة» نص كان من تأثيره ان أصبحت بعدها بطاقة الهوية اجبارية للمرأة السعودية- وكنت أول من حمل بطاقة- بعدما كانت هوية المرأة تابعة لزوجها، و«العازفة».. وحصلت بها علي المركز الأول دوليا من اليونسكو, وكنت أول امرأة عربية تحصل علي هذه الجائزة وهي جائزة «المونو دراما» أى المسرحية التى يمثلها ممثل واحد .كنت أحلل فيها حال المرأة في الوطن العربي وصراعاتها مع الواقع سياسيا أو اجتماعيا أو ثقافيا، أو حتي عقائديا.. بما يعني عزلتها داخل الذات الجمعية، والتأرجح ما بين الخوف والفعل, وهما نقيضان لا يجتمعان أبدا. وماذا أيضا؟ كتبت أيضا «غول المغول» وفيها تحدثت عن سقوط الخلافة الإسلامية في بغداد علي أيدي المغول, وتنبأت بسقوط بغداد علي أيدي الأمريكيين، وقلت فيها: "لو أننا نقرأ جيدا ما تكررت نكباتنا."