كثيرون ممن رأوا مشهد رقص المرأة المصرية أمام لجان الانتخاب الأسبوع الماضى لم يقرأوا المشهد حق قراءته، بل اختزلوه فى معان سطحية متعجلة وربما «مغرضة» أحيانا! لقد رقصت نساء مصر أمام اللجان طلبا للنجاة! النجاة من ماذا بالضبط؟ النجاة من ضياع البيت والابن والزوج والوطن. لقد كان رقص النساء اللاتى كن فى غالبيتهن أمهات صرخة احتجاج ضد جو الاكتئاب والإحباط واليأس الذى خيم على حياتنا خلال السنوات الثلاث الأخيرة. النساء رقصن طلبا للأمل، ولعودة المياه الراكدة إلى مجاريها، ولاستعادة الفرحة التى سرقت منهن بفعل فاعل، سامحه الله! إن الذى تابع المشهد جيدا، رأى السيدات الراقصات على كل شكل ولون. المحجبة رقصت وأيضا غير المحجبة. التى ارتدت الجلباب البلدى الأسود رقصت، وكذلك المرتدية البنطلون ممشوقة القوام الجميلة وفوق عينيها نظارات الشمس. ورقصت الممتلئة التى لا تحرص كثيرا على الريجيم والأناقة وإدمان النظر إلى المرآة. الطفلة، والصبية، ومتوسطة العمر، والعجوز، بل وبعض من رقصن كن «منقبات»! هل رقصت النساء كما قال المتهتكون المغرضون أصحاب الهوى حبا فى شخص السيسى؟ أبدا.. بل حبا فى الابن والزوج والوطن الموشك على الضياع. لقد رقصت تلك التى فقد زوجها عمله مؤخرا، والتى لها ابنان أو ثلاثة تخرجوا فى الجامعة فلم يجدوا وظيفة حتى الآن، وتلك التى ينخلع قلبها خوفا وقلقا كلما تأخرت ابنتها فى العودة من الجامعة مع حلول المساء. رقصن جميعا ضد وقف الحال! .. نظرت حولها، فرأت غيوم الإحباط والاكتئاب والعدمية تغمر أرواح الأزواج والأبناء، فخرجت سعيا للقبض على شعاع البهجة السليبة، والاستقرار المفقود، ولقمة العيش التى عزت فى زمن لم يعد لك فيه عزيز! إحدى القنوات التليفزيونية «المغرضة» تبجحت واتهمت أمهات المصريين بأنهن مجرد راقصات. خسئتم.. فمن الذي ربى هؤلاء الشهداء الذين تساقطوا على مر العصور طلبا للحرية، ألسن هؤلاء النساء؟ ومن هى الصابرة المكافحة العفيفة التى حفظت الزوج والبيت والقيم عبر السنين.. أليست هى هذه المرأة الأم والزوجة والابنة؟. ونسأل: منذ متى والإنسان المصرى يرى فى الرقص عارا أو «معرة» يجب إخفاؤها أو التستر عليها؟ ألسنا كلنا فى أفراح عرسنا نرقص؟ راجع إن شئت شريط فيديو حفل عرسك..ألم تحتضن يد العروس وترقصان معا، وحولكما الأهل والأحباب؟ والله إن لم تكن قد فعلت فتلك مشكلتك أنت فحاول الرقص فى أفراح الآخرين لعلك تجد التعويض! ثم أنظر إن أردت إلى جدران معابد أجدادك الفراعين.. ألا يرقصون تعبدا للإله وطلبا لرضائه عنهم؟ ياسيدى بلاش الفراعنة.. انظر إلى حفلات الذكر فى الموالد والمناسبات الدينية.. ألا يرقص المتصوفون وهم يتقربون إلى الخالق جل فى علاه؟ فى مدارس البنات.. ألا ترقص البنات؟ وفى أعياد الميلاد، والخطوبة، وليلة «الحنة»، ألا ترقص العذارى وفى المخيلات صورة الزوج المنتظر؟ فلماذا ندعى الغضب إذا رقصت سيدات مصر وهن يرين الوطن يعود؟ وهل ثمة أعز من الوطن؟ هناك فرق شاسع بين الرقص طلبا للحياة والنماء والبهجة والرقص طلبا للخلاعة والمجون والتهتك. ذاك شىء آخر، ما كان ليرد على أذهان هؤلاء الفرحانات أمام اللجان. بل ربما يجوز للمرء أن يتجاوز قليلا فيقول إن الذى يفكر بهذه الطريقة، فيتهم سيدات مصر بالمجون، هو نفسه الماجن الذى فى عقله وقلبه مرض. لم يكن ما رأيناه على الشاشات أبدا رقص ميوعة ولا خلاعة، بل هى رقصة الحياة.. وإلا فما الذى يدعو أما من أمهات المصريين، قاربت على السبعين، لترقص؟ يا ناس.. أعيدوا قراءة المصريين من جديد. إقرأوهم صح. إن المصرى ليس كئيبا ولا عابسا ولا عنيفا، ولا يحب الدماء، وما الذى نحن فيه الآن إلا الاستثناء الذى ما يلبث أن يزول.. وإلى أن يزول إياكم أن تتفوهوا بكلمة سوء واحدة على أمهات المصريين. لمزيد من مقالات سمير الشحات