هناك أسباب عديدة أدت إلى خروج الآثار المصرية من البلاد، سواء بطرق شرعية كالإهداء لرؤساء وملوك بعض الدول، الأمر الذى كانت تتبعه الحكومات المصرية لتعزيز مكانة مصر الخارجية أو لتحقيق أهداف سياسية بدءًا من محمد على ومرورًا بأحفاده، ووصولاً إلى الرئيس عبد الناصر والسادات. كما كان لمبدأ “القسمة” الذى تم وضعه فى عهد الخديوى توفيق السبب الرئيسى فى خروج العديد من القطع الأثار المصرية للخارج، حيث كان ينص قانون الآثار المصرى فى ذلك الحين على إجراء القسمة على الأثار المُكتشفة بين البعثات الأجنبية والحكومة المصرية، أو بطرق غير شرعية عن طريق السرقة والتهريب والتجارة غير المشروعة فى الآثار ، كما أدت حالات الإنفلات الأمنى التى شهدتها مصر فى أعقاب ثورة يناير 2011 إلى الهجوم المتكرر على المتاحف والمخازن والمواقع الأثرية وسرقة وتهريب العديد من المقتنيات القيمة والادهى من ذلك عدم قدرة القوانين على وقف عمليات التهريب العشوائية والممنهجة بل اتسع نطاقه وتطورت طرق تهريبه وتحول إلى "بيزنس" كبير و"مافيا" يتطلب منظومة متكاملة للحد منه والقضاء عليه، وقد أصاب حلم الثراء السريع لبعض الناس بنوع من الهوس بالآثار، وانتشر البحث عنها فى محافظات مصر، البعض خاطر بحياته بحثا عن الآثار المدفونة أسفل منزله، والبعض لجأ الى السحر وتسخير الجن للوصول اليها، كما زاد هذه الظاهرة جراء الإنفلات الأمنى الذى أصاب البلاد عقب ثورة يناير 2011. عندما تتجول بالجناح المصرى بمتحف المتروبوليتان بنيويورك أو تدخل متحف اللوفر بعاصمة النور باريس سوف تتملكك الدهشة من كم الآثار المصرية المعروضة والتى يفوق عددها بالمتحف البريطانى بلندن ما هو موجود لدينا ببعض متاحفنا!! فاذا ما أتجهت جنوباً إلى تورينو بإيطاليا فسوف تتأمل فى دهشة مماثلة أجنحة المتحف المصرى هناك بطوابقه الثلاثة و إذا ماقررت أن تتجه غرباً إلى برشلونة فسوف تشاهد نموذجاً مصغراً للمتحف المصرى مرة أخرى وكأنه إصرار على إستفزازك من خلال تذكيرك باسم أشهر وأكبر متاحفك. أن تقوم بجولة ببعض دول أوروبا دون تحديد فستجد أثاراً متناثرة بمتحف صغير بالقرب من المدينة القديمة فى جنيف وأخرى مماثلة بالعاصمة السويدية ستكهولم ومتحفا كاملا بفيينا عاصمة النمسا ومعبداً بمدريد العاصمة الاسبانية الشهيرة الذى انقذته هيئة اليونسكو من الغرق فحملوه الى بلادهم، هكذا بدأ المستشار أشرف عشماوي، الذى ساهم فى إعداد قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 و المعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010 ، حديثه عندما سألناه عن الآثار المصرية المنتشرة فى أنحاء العالم، وقال لقد كنت مسئولاً عن استرداد الآثار المهربة من الناحية القانونية، واعتمدت على المستندات التى كانت متاحة لى بحكم أننى كنت عضواً باللجنة القومية لاسترداد الآثار، وفى كل مرة كنت أعيد فيها قراءة النصوص القانونية التى تنظم الاثار فى مصر على مدار اكثر من مائة وخمسين عاما كنت أتوقف كثيراً، و السبب فى تأملى الشديد لهذا القانون ليس سوء الصياغة القانونية أو التهاون فى الحفاظ على آثار بلادنا انما بسبب ما يغلف هذه النصوص من تردد و حيرة، و بسؤاله عما اذا كان نظام القسمة هو المسئول الحقيقى و المتهم الأساسى وراء خروج كل آثارنا الموجودة فى الخارج؟! قال إن الإجابة عن هذا السؤال محيرة نوعاً ما ، لان نظام القسمة لم يكن وراء خروج النسبة الأغلب من آثارنا الموجودة بالخارج، وإنما تعددت الطرق غير المشروعة التى ساهمت بطريقة أو بأخرى فى تهريب آثارنا و الإتجار فيها، وأضاف أنه سرعان ما ستزول الحيرة وتختفى الدهشه عندما نعرف أن عمليات الحفر والتنقيب التى كانت سائدة أوائل القرن الماضى كانت تتكلف عشرة قروش يومياً و لم يكن اصطحاب مفتش آثار مصرى أمراً إجبارياً و لكن فى حالة وجوده فان التكلفة كانت ترتفع إلى عشرين قرشاً فى اليوم!!! وعن ان الاتجار فى الاثار و بيعها قال انه كان من المآسى التى سمحت القوانين بها، فأصبحت من أهم منافذ خروج الآثار بشكل آمن للأسف الشديد، ففى عام 1951 صدر القانون رقم 215 وهو الأسوأ على الإطلاق من بين قوانين الآثار السبعة المتعاقبة فى تاريخنا، فقد تضمن من بين نصوصه بعضاً من توصيات مؤتمر القاهرة الدولى للحفريات 1937 لتصبح ملزمة لنا بقوة القانون، و اشار انه فى ظل القانون 215 نجحت البعثات الأجنبية فى اقتسام بعض مجموعات نادرة من الآثار المصرية بسبب ضعف الرقابة على أعمال البعثات وعدم وجود ضوابط حاسمة لأعمال الحفر والتنقيب وضخامة نسبة القسمة التى كانت احياناً تتجاوز النصف! و أوضح العشماوى ان هذا القانون ساهم فى إهانة الآثار المصرية و التقليل من شأنها و قدسيتها فسمح للباعة الجائلين ببيعها على الأرصفة بشرط ألا تزيد قيمة التمثال الواحد عن خمسة جنيهات!!! وكانت العقوبة الحبس أسبوعاً أو الغرامة جنيه مصرى واحد أو إحدى هاتين العقوبتين اذا تمت مخالفة شروط الترخيص و يؤسفنى أن أضيف أن تلك العقوبات كانت فى وقتها أقل من عقوبة بيع الخضراوات و الفاكهة بدون تراخيص!!! وبسؤاله عن قانون حماية الآثار رقم 117 لعام 1983 و الذى شارك فى إعداده، قال كنا جميعنا فى منتهى الحرص على وضع نص يمنع الإتجار نهائياً فى الآثار وأضفنا إليه أن نقل الملكية الخاصة المسجلة لا يكون بمقابل نقدى الا فى المقتنيات الخاصة، وكان هدفنا من ذلك ليس محاربة الإتجار فحسب بل إعادة الهيبة والاحترام لآثارنا حتى لايتحول تراثنا الغالى إلى سلعة تباع وتشترى مهما ارتفع ثمنها حتى لا تقل قيمتها! ولقد شاركنى الكثيرون الرأى وقتها بأن كل قطعة تحكى جانب من تاريخنا وأى قطعة حتى ولو كانت مكررة فهى متفردة ورائعة، وهى الأعلى قيمة والأكثر إهدارها من كل آثار العالم. وأضاف "اليوم أستطيع أن أقول بكل ثقة وحسم وفخر أن زمن بيع وتجارة وتصدير الآثار قد ولى وانتهي، فالمشهد الذى كان المتحف المصرى يتصدر خلفيته عند دخول شخص من البوابة الرئيسية يرتدى ملابس كاملة ويضع قبعة على رأسه متجهاً صوب الطابق الثانى حيث صالة المبيعات بالقاعة 56 ليقلب بيده فى تراث مصر وينتقى ما يعجبه من حضارتها فيشتريه لقاء بضعة جنيهات، هذا المشهد قد تبدل وتغير فأصبح الآلاف من الأجانب يدلفون من البوابة الرئيسية اليوم صوب نفس القاعة 56 التى تحوى آثار حضارة مصر ينظرون اليها بعيون مشدوهة ويتابعون بانبهار عظمتها وروعتها وعندما يغادرونه، و يمرون على قاعة أخرى فينحنون احتراماً لجهود تجربة مصرية رائدة فى استرداد الآثار المصرية انها القاعة 44 التى تحوى جانبا من تراثنا الحضارى الذى تعرض لغربة فُرضت عليه من جراء البيع والإتجار والتصدير والتهريب حتى عاد لموطنه، والبقية آتية..." وعن الأصوات التى تعلو بين الحين والآخر منتقدة عدم اعادة جميع الآثار المصرية الموجودة بالمتاحف والهيئات العلمية الأجنبية، قال عشماوى ان هذا الأمر هو الذى دفعه للكتابة عن الاسترداد بالتفصيل فى كتاب وثائقى بعنوان سرقات مشروعة، وأشار الى أن الأمر للوهلة الأولى قد يبدو مقبولاً من الناحية العاطفية ، إلا أنه فى الكثير من الأحيان يفتقر إلى المنطق والحجة القانونية، ونفاجأ فى أحيان أخرى نتيجة لجهل البعض بالنظم القانونية التى كان معمولاً بها منذ أكثر من175 عاماً بشأن حماية الآثار بظهور بعض المواقع الالكترونية المجهولة تنشر أخباراً منقوصة أحياناً وغير حقيقية أحياناً أخرى للمزايدة على موقف مصر ممثلة فى وزارة الآثار من قضية استرداد الآثار المصرية وتتهمها بالتخاذل دون سند منطقى أو موضوعي..و قال عشماوى ان الكثير من القطع الأثرية سرقت من المتحف المصرى بالتحرير، و أن طرق سرقته تطورت من الكسر من الخارج لنافذة البهو الرئيسى مثلما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية عام 1941، إلى تقليد المفاتيح فى الخمسينيات من القرن الماضى إلى أن تحولت إلى المبيت لليلة واحدة فى المتحف فى نهاية السبعينيات وحتى منتصف التسعينات من القرن الماضي، وصولاً إلى اقتحام المتحف ليلاً مساء يوم 28 يناير 2011 من خلال السقف الزجاجى وبواسطة الحبال!!. و قال انه من أشهر تلك الحوادث ما وقع فى ديسمبر من عام 1958 عندما وقف طالب ثانوى أمام فاترينة زجاجية بالمتحف المصرى يقرأ بإهتمام البطاقة الدالة على محتوياتها فلاحظ أن عدد السبائك الذهبية بها ينقص عن العدد المدون بالبطاقة بسبيكتين وكشفت تحقيقات النيابة وقتها أن باقى السبائك المتراصة فى فاترينة العرض جميعها مزيفة!! ولأن السرقة لابد أن يعقبها جرد لمحتويات المتحف فقد أسفر الجرد عن إختفاء سوارين من الذهب الخالص يرجع تاريخهما إلى 200 سنة قبل الميلاد بالإضافة إلى 32 تميمة أخرى من الذهب أيضاً وأظهر التحقيق وقتها أن الخزائن فتحت بمفتاحها الأصلي، وقيد الحادث ضد مجهول!! وفى عام 1959 زار القاهرة عالم الآثار السوفيتى بتروفيسكي– الأستاذ بجامعة ليننجراد – ولاحظ أختفاء عصا من الذهب الخالص من مجموعة الملك توت عنخ أمون فأبلغ أمين المتحف المصرى وقتها، وعقب هذا الحادث تم جرد المتحف بالكامل فظهر أن هناك أكثر من 300 قطعة أثرية فقدت، وآلاف القطع غير مسجلة بالدفاتر وحدد التحقيق زمن ضياعها بفترة العدوان الثلاثى على مصر عام 1956!! بسبب العجلة فى نقل الآثار الثمينة إلى بدروم المتحف على مدار شهرين لحمايتها من الغارات الجوية! وعن سرقة مجوهرات الأسرة المالكة قال أن سرقة المجوهرات الملكية لأسرة محمد علي، خاصة مقتنيات الملك فاروق الأول من أشهر السرقات وأخطرها على الإطلاق فى تاريخنا الحديث، فهى سرقة منظمة بدأت بتشكيل لجان عديدة من موظفين للقيام بأعمال الجرد مروراً بالتجريد حتى انتهت فصول القصة بضبطهم وعرض المسروقات فى متحف المجوهرات بالأسكندرية بعد استعادة ما تبقى منها!. و ختم حديثه قائلا إننا دخلنا فى نفق مظلم منذ منتصف فبراير 2011 ، وكُتب علينا أن نشاهد سرقات وتعديات غير مسبوقة على المناطق الأثرية.