القوات المسلحة تنظم زيارة لعدد من الملحقين العسكريين إلى إحدى القواعد الجوية    «إعلام بني سويف الأهلية» تحصد المركز الثالث في مسابقة العهد للفئة التليفزيونية.. صور    جامعة بنها تفتتح المؤتمر السنوي الثالث للدراسات العليا للعلوم الإنسانية    تحرك برلماني ضد رفض بعض الدول العربية الاعتراف بشهادات «الانتساب الموجه» المصرية    البورصة المصرية تقر القيد المؤقت لأسهم المصرف المتحد تمهيدًا للطرح    «بتكلفة بلغت 60 مليون جنيه».. محافظ أسيوط يتفقد وحدة طب الأسرة بقرية الواسطى    عاجل: ارتفاع أسعار الدواجن والبط في الأسواق المصرية اليوم    مسؤول أمريكي: بلينكن سيلتقي وزراء خارجية دول عربية في لندن الجمعة لبحث الوضع في غزة ولبنان    خبير: مصر تلعب دورا مهما في تجمع البريكس كمركز إقليمي للطاقة    رودريجو خارج كلاسيكو الريال ضد برشلونة في الدوري الإسباني    طارق السيد: فتوح أصبح أكثر التزامًا واستفاد من الدرس القاسي.. وبنتايك في تطور واضح مع الزمالك    أول سابقة بين أبناء الأهلي.. الكفراوي ونور يطعنان على العامري في انتخابات السباحة    تفاصيل سقوط دجال لقدرته على العلاج الروحانى ومزاولة أعمال السحر والدجل في الهرم    حالة الطقس اليوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024: طقس معتدل ليلًا ومائل للبرودة صباحًا    التعليم تعلن تفاصيل امتحان العلوم لشهر أكتوبر.. 11 سؤالًا في 50 دقيقة    ضبط مخدرات بقيمة مليونى جنيه بالاسماعيلية    «الإدارة العامة للمرور»: ضبط (28) ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    الصحة الفلسطينية تعلن ارتفاع عدد ضحايا العدوان على قطاع غزة إلى 42792 شهيدًا    الثلاثاء.. ندوة عمارة المسجد النبوي الشريف عبر العصور في مكتبة الإسكندرية    محطات في حياة صلاح السعدني.. صداقة العمر مع الزعيم وكبير مشجعي الأهلي    لأول مرة.. هاني عادل يفتح قلبه لبرنامج واحد من الناس على قناة الحياة    لماذا العمل والعبادة طالما أن دخول الجنة برحمة الله؟.. هكذا رد أمين الفتوى    منها انشقاق القمر.. على جمعة يرصد 3 شواهد من محبة الكائنات لسيدنا النبي    «الإفتاء» توضح حكم الكلام أثناء الوضوء.. هل يبطله أم لا؟    من توجيهات لغة الكتابة.. الجملة الاعتراضية    نجاح عملية جراحية لاستئصال خراج بالمخ في مستشفى بلطيم التخصصي    تلبية احتياجات المواطنين    إشادات عالمية بقضاء مصر على فيروس سي في 10 سنوات.. «تجربة استثنائية»    غدا.. "تمريض بني سويف" تحتفل باليوم العالمي لشلل الأطفال    محافظ بني سويف يتابع تنفيذ التوجيهات بشأن الحلول والإجراءات لمشكلات المواطنين    افتتاح فعاليات المؤتمر السنوي الثالث للدراسات العليا للعلوم الإنسانية بجامعة بنها    السوبر المصري.. مؤتمر صحفي لجوميز استعدادًا للقاء الأهلي    خلال الافتتاح.. مهرجان VS-FILM للأفلام القصيرة جدا يكرم النجمة درة    موعد إعلان حكام مباراة الأهلي والزمالك في السوبر المصري.. إبراهيم نور الدين يكشف    رشقة صاروخية من الجنوب اللبناني تستهدف مواقع إسرائيلية في إصبع الجليل    بعد صعودها 1.5%.. التوترات السياسية تجبر أسعار النفط على التراجع    مصدر أمني يكشف حقيقة إطلاق أعيرة نارية على منزل بالشرقية    تحرير 553 مخالفة عدم ارتداء خوذة وسحب 1372 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    وزيرة التضامن تدعو عددًا من المسنين لحضور حفل هاني شاكر بمهرجان الموسيقى العربية    نشرة مرور "الفجر".. انتظام حركة المرور بشوارع القاهرة والجيزة    «التهديد والوعيد مايجبش نتيجة».. رسالة نارية من شوبير بعد أزمة ثلاثي الزمالك    محافظ الغربية يكرم بسملة أبو النني الفائزة بذهبية بطولة العالم في الكاراتيه    "وقولوا للناس حسنا".. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة عن القول الحسن    بعد مقترح النائب محمد أبو العينين| خبير: خطوة نحو ربط التعليم بسوق العمل    مدبولي يلتقى أعضاء منظومة الشكاوى الحكومية بمجلس الوزراء    تداول 19 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة و550 شاحنة بموانئ البحر الأحمر    سعر كيلو العدس، أسعار العدس اليوم الأربعاء 23- 10- 2024 في الأسواق    تعاون مصري قبرصي لتعزيز الشراكات الصحية وتبادل الخبرات    «العمل» تُحذر المواطنين من التعامل مع الشركات والصفحات وأرقام الهواتف الوهمية    الصحة العالمية: ‌نقل 14 مريضا من شمال غزة إلى مستشفى الشفاء ‌فى مهمة عالية الخطورة ‌    زعيم كوريا الشمالية يطالب بتعزيز الردع في مواجهة التهديدات النووية    عمرك ما ترى حقد من «الحوت» أو خذلان من «الجوزاء».. تعرف على مستحيلات الأبراج    هاريس: جاهزون لمواجهة أي محاولة من ترامب لتخريب الانتخابات    خبير يكشف موقف توربينات سد النهضة من التشغيل    بحفل كامل العدد|هاني شاكر يتربع على عرش قلوب محبيه بمهرجان الموسيقى العربية|صور    الخطوط الجوية التركية تلغى جميع رحلاتها من وإلى إيران    مدرب أرسنال يصدم جماهيره قبل مواجهة ليفربول بسبب كالافيوري    ملخص أهداف مباراة ريال مدريد ضد بروسيا دورتموند في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي أبواب مدينة النبى"صلى الله عليه وسلم"
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 02 - 2012

مدينة الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام‏.‏ شعور لا يمكن وصفه في كلمات‏,‏ فلا يعرف العشق إلا من يكابده ولا يعرف اللوع الا قلب مؤمن غير مرتاب‏,‏ أزاح عن نفسه منطق الراكضين وراء مغانم مزيفة للحياة, وارتاح بعد أن ذهب يطلب وجه الله الرحمن. فقبل أن نصل إلي مسجد الرسول يبدو كل شيء نمطيا راكدا. فطول الطريق ووعثاء السفر وفراق الأهل والاحباب يعرفها كل سالك ومحب لهذه الرحلة المباركة.
إلا أن كل مشاعر الدنيا التي نجحت في احتلال العقل والفؤاد سرعان ما ترغم علي ترك مساحتها إلي حديث للروح ومناجاة تشق القلب بقوة لا يعرفها الا من وجد في هذا المكان.
فكل من يضع قدمه علي أول عتبات المسجد يفهم أنه لا سبيل لهدوء الروح الا بتحريرها من عتق الدنيا والسلطة والرغبات, ففي مسجد المصطفي بدأت الحكاية كلها بسبعين ذراعا علي أرض لغلامين يتيمين عوضهما النبي عن أرضهما ليبدأ الصحابة من فورهم في رفع أساس المسجد الذي يقصده الخلق من كل صوب ومكان.. ومن كل جنس ولون. فركعة في رحابه تساوي ألف ركعة في أي مكان علي الأرض. فهنا السلام علي الحبيب الذي ينعم كل إنسان بصحبته. وهنا السلام علي سيد الوري مرسل الرحمن الرحيم المنان وهنا السلام علي صاحب الخلق العظيم الذي تهنأ القلوب بصحبته وبالتوبة والأمان.
ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام قد يكون البداية في حكينا. فبعد سنوات طوال من التوسعات والتجديدات نذكر منها ذلك التوسع الاكبر الذي قام به المهندس المصري محمد كمال إسماعيل- الذي أمد الله في عمره للمائة وبارك له فيه الذي أعطي المسجد رحابا واسعة وأمنته ضد الزيادات في أعداد قاصديه لسنوات وسنوات.
وأما أبناء هذا المسجد قد اخترنا منهم هذه المساجد الثلاثة, فكل مساجد الأرض قد ولدت بقصد إقامة الصلاة, وأصبح لكل منها خصوصيته ومحبيه, فمع الزمن حمل الحجر ملامح البشر, وإذا كنا غالبا نذكر أن أول مساجد مصر المحروسة, صاحب المكانة والمساحة هو جامع عمرو فإنه أول مسجد في بر مصر استفاد من البيئة المصرية ومن المعمار الذي كان متعارفا عليه قبل الاسلام. فهناك من يقول إن القباب والمآذن استوحت من بعض المباني الدينية المصرية, وأما فنار الاسكندرية فقد كان وراء فكرة المأذن المصرية التي تعددت وتنوعت في العصور الاسلامية اللاحقة.
ومؤسس جامع عمرو هو القائد عمرو بن العاص الذي فتح مصر وتولي أمرها في زمن خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وقد اختار موقعه علي الضفة الشرقية لنهر النيل في منطقة تبعد نحو مائة متر جنوب حصن بابليون, ويمثل جامع عمرو أقدم الطرز المعمارية لبناء المساجد وهو المشتق من عمارة الحرم النبوي الشريف وهو طراز الجامع الذي يتألف من صحن مربع أو مستطيل يحف به من جوانبه الأربعة أروقة أربعة أعمقها رواق القبلة كما جاء في كتاب القاهرة: تاريخها وفنونها وآثارها.
وقد استوحي عمرو في تخطيطه العلاقة بينه وبين مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم وداره في المدينة المنورة, واشترك في تحديد قبلته ثمانون من الصحابة وقيل ثمانية.
وبرغم أن مسجد عمرو حكاية في حد ذاته تستحق التوقف عندها مرات ومرات, و لكننا نترك الآن أرضنا المصرية لنحكي عن ثلاثة مساجد في الصين وروسيا ومالي.. فما حكايتهم؟
الحنين إلي النبي في الصين
إذا كان جامع عمرو قد اشتق عمارته من عمارة المسجد النبوي, فما حدث في زمن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه أن أرسل المسلمون رسلا إلي الصين في عهد الامبراطور قاو تسونغ عام651 ميلادية, و تعتبر الموسوعات الحضارية أن هذا العام هو عام دخول الإسلام إلي الصين, بل ويذكر الكاتب الصيني تشانغ قوانغ لين في كتابه الإسلام في الصين أن كتب التاريخ الصيني قد عددت زيارة الرسل العرب للصين أكثر من39 مرة خلال الفترة ما بين عامي651-798 ميلادية. ففي هذه السنوات التي تصل إلي المائة والخمسين عاما جاء مزيج من التجار, العرب والفرس إلي الصين, وتطور الطريق البري من بلاد فارس إيران إلي مدن تشانغان ولوهيانغ بمحاذاة طريق الحرير, والطريق البحري من الخليج إلي مواني جنوب الصين الشرقي. ووافقت أسرتي التانغ والسونغ الملكيتين علي دخول هؤلاء التجار وأطلق عليهم أسم الضيوف الأجانب المحليون.
ورغم غرابة التسمية التي تجمع بين المعنيين فكيف يكونون أجانب ومحليين الا أنهم فيما يبدو المجموعة التي شكلت الكثير من القوميات المسلمة في الصين التي تبلغ عشر قوميات, وهم: الهوي والأيغور والقازاق والطاجيك والقرغيز و التتار والأوزبك ودونغشيان والسالار و باوان.
ويذكر التاريخ الصيني البحار المسلم تشنغ خه بكثير من الفخر, فقد عاش في الفترة ما بين عامي1361-1435 ميلادية أي في القرنين الرابع عشر والخامس عشر في عهد أسرة المينغ الصينية, وقاد أكبر أسطول في العالم في رحلاته السبع البحرية لاستكشاف مناطق الغرب. ويقال والعهدة علي الكاتب إن تشنغ خه قد وصل بأسطوله أيضا إلي مكة المكرمة ورسم خريطة الوصول إليها.
ويقع مسجد جينغجيوه في مدينة نانجينغ وبني عام1388 في عهد أسرة المينغ وشهد حريقا قبل قيام البحار برحلته, ووافق الامبراطور علي عريضة تقدم بها البحار تشنغ خه لتشييد المسجد من جديد. والمسجد يذكرنا بهذا البحار الذي أضاف إلي تاريخ الإسلام في الصين.
أما المسجد الآخر الذي يمكن أن نتوقف عنده فهو هوايشنغ أو(الحنين إلي النبي) فيقع في قوانغتشو ويعد من أقدم المساجد, ويقول الكاتب إن السيد وقاص العربي قد أسس هذا المسجد بعد وصوله إلي الصين في أول عهد أسرة تانغ, والمسجد يحكي تاريخ الطريق البحري بين الصين والعالم الإسلامي, ويمتاز بقاعة الصلاة وحجرة الوضوء وبرج استطلاع الهلال.
والاختيار الشعبي في روسيا
في روسيا التي يقطنها هي الأخري عشرون مليون مسلم متوزعين بين داغستان والشيشان وباشكورستان وتتارستان توجد مساجد لا يعرفها الكثير من الناس. ففي بشقورستان التي تقع بين جبال الأورال ونهر الفولجا وعاصمتها أوفا هناك حكاية متداولة يحكيها الامام الاكبر طلغت طودوغين عن صحابة الرسول صلي الله عليه و سلم الذين وصلوا الي هذه البلاد ودعوا لفتاة صغيرة بالشفاء ففوجئ الجميع بها تخرج بعدها معافاة تمشي علي قدميها, وان هناك شجرة تسمي روزا قد نبتت علي ايدي هؤلاء الصحابة و انها موجودة الي الآن. وقد دخل أهل بشقورستان الإسلام عندما زارهم وفد بأمر الخليفة العباسي المقتدر ليدعوهم إلي الدخول في الدين الحنيف, وبعد يومين من وصولهم عقد مؤتمر شعبي في كل القري و المدن, لبحث أمر رسالة الخليفة و بعد مشاورات دخلوا في الإسلام.
أما تتارستان فيقول التاريخ ان920 من التتار البلغار قد أرسلوا إلي الخليفة المقتدر يطلبون منه واعظين ومددا ماليا ومعنويا لبناء أول مسجد, وقد استجابت عاصمة الخلافة الإسلامية في بغداد لطلبهم وأرسلت إليهم أئمة وأسست مدينة بيلار التي تقع علي الضفة الشرقية لنهر ماليل شرمشان لتصبح عاصمتهم الجديدة, وقد استشهدت هذه المدينة بمعالم مدينة بغداد التي سبق أن أسسها الخليفة المنصور.
فلم يكن هناك تصميم معماري خاص لدي أهل تتارستان وقد بني ما بين2500 و3000منزل في هذا المكان, وعلي مسافة ثلاثمائة متر من الجنوب الغربي بني مسجد وبجواره سوق, وفي النصف الأول من القرن العاشر الميلادي بني مسجد خشبي ألحق بالقلعة, و مسجد حجري ينتمي إلي الطراز الشرقي ويثبت نفسه ضمن الكثير من الأبنية الحجرية في المنطقة, ففي البداية مبني خشبي ثم مبني حجري بمئذنة تشبه أبراج القلاع, ومع ذلك زحفت الطرز الشرقية التي تنتمي إلي آسيا الوسطي داخل تتارستان.
رحلة الحج من تمبكتو
كانت تمبكتو بتاريخها الإسلامي سواء عاد إلي أحد الملوك أو الطوارق أو البربر تعد محطة إفريقية مهمة شاهدة علي دخول الإسلام في العمق الإفريقي, فالمدينة التي كانت عاصمة ثقافية وسياسية تقع في مالي قرب مجري نهر النيجر. ففي هذه المدينة التي تبدو نقطة مرور للقادم من الشمال إلي الجنوب والتي تشهد تجربة خاصة في التقاء الشمال والجنوب الإفريقي توجد مساجد تسجل دخول الدين الحنيف منذ بداياته الحقيقية في القارة السمراء بسبب موقعها الاستراتيجي وسيطرتها علي التجارة.
ويعد الحاج منسا موسي هو خير دليل علي هذا التاريخ, فهذا الرجل الذي كان شخصية ذات علامة فارقة في تاريخ مالي الإسلامي كان قد ذهب في رحلة إلي الأراضي المقدسة للحج. وبالطبع قصد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلي الله عليه وسلم, وعندما عاد من رحلته قرر تجديد مسجد تمبكتو الذي قد سبق بناؤه في القرن السادس الهجري, ويقال فيما يقال إن هذا التجديد والتوسعة قد قام بها أحد المهندسين المعمارين الأندلسيين أبو إسحاق إبراهيم الذي رافق الحاج منسا في رحلته للحج.
بعدها قام القاضي العاقب بن القاضي محمود بترميمه في القرن السادس عشر, ومع ذلك فالمسجد القائم الآن يختلف كثيرا عن المسجد الكبير الذي بدأ الحاج منسا في إصلاحاته, فكل شيئ في هذه الدنيا يتغير.
ولهذا لن تكون هذه المساجد الثلاثة إلا قصص عابرة يحملها تاريخ الإسلام الذي يحمل في جعبته الكثير من قصص الإيمان.
وكلها قصص استوحت من الحرمين الشريفين وأيام الرسول الكريم وهي في النهاية يشعر بها المرء علي أبواب مدينة الرسول.
ورجال حول محمد,
لم أجد أفضل من كاتبنا خالد محمد خالد وكتابه رجال حول الرسول صلي الله عليه وسلم ليحتفل معنا بمولد النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
فمن يتعرف علي سيرة الكاتب يعرف انه لم يكن رجلا من طالبي الحياة, فلم يسع إلي منصب يسخر له كل طاقاته من أجل الوصول إليه, وذلك لعلمه علم اليقين أن آفة البشر هي إذلال النفس وكل عزيز من أجل الوصول إلي نعيم مزيف ومنصب قد يذهب بين يوم وليلة.
ولهذا هيأ نفسه منذ البداية للكتابة وجعلها خالص رسالته في الحياة, وكتب عن السياسة والفكر من وجهة نظر دينية متفتحة وصدر له ما يقارب الثلاثين مؤلفا يمكن أن نعتبر كل واحد منهم بصمة في حد ذاته.
وقد اخترت هذا الكتاب الذي يعتبر علامة فارقة, فقد صدر من قبل في خمسة أجزاء ظهر خلالها ستون من صحابة الرسول, والجديد ان القارئ لن يجد بينهم خلفاء الرسول الأربعة: أبا بكر وعمر وعثمان وعليا حيث أفرد الكاتب لكل واحد منهم كتاب:وجاء أبو بكر, بين يدي عمر, في رحاب علي ووداعا عثمان.
ويبدأ خالد محمد خالد حكيه عن هؤلاء الصحابة بالتشويق, فنحن مهيئون للقاء نفر من أصحابه الكرام حيث يبهرنا إيمانهم وتضحياتهم اقتداء بمحمد رسول الله الذي جمع له الله تعالي رؤية الحق. يختار الكاتب مصعب بن عمير أول سفراء الاسلام, فهذا الصحابي الشاب حين أسلم لم يكن ليحاذر أو يخاف علي ظهر الأرض سوي أمه التي مضت به إلي ركن في دارها وحبسته فيه, فغافلها وهرب إلي الحبشة قبل أن يعود ثم يهاجر هجرته الثانية إلي الحبشة مع المؤمنين. أما ما يحسب لمصعب فهو اختياره لكي يكون سفيرا للرسول إلي المدينة يفقه الأنصار الذين بايعوا الرسول عند العقبة, فكان مصعب عند حسن ظن الرسول ونجح واستمر حتي كان من شهداء أحد فوقف الرسول صلي الله عليه وسلم عند جثمانه يقرأ الآية الكريمة: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فالسلام عليك أيها الشهيد.
الباحث عن الحقيقة
كان سلمان الفارسي هو الباحث عن الحقيقة, فقد كان رجلا من أهل مدينة أصفهان الفارسية الإيرانية وكان أبوه دهقانا وقد اجتهد في المجوسية, وذات يوم أرسله أبوه في عمل فمر بكنيسة للنصاري فأعجبته صلاتهم فدخل في دينهم وذهب إلي الشام, حيث مهد المسيحية, وهناك جلس في صحبة أسقفا, حتي توفاه الله فانتقل إلي الموصل ومنها إلي نصيبين ثم إلي عمورية في بلاد الروم, حيث أخبره الرجل العابد الذي كان يعيش معه قبل وفاته بأنه قد أظله زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفا يهاجر إلي أرض ذات نخل بين كتفيه خاتم النبوة, وأراد سلمان أن يرحل مع قبيلة تذهب إلي بلاد العرب فظلله أهل الرحل وباعوه إلي رجل من يهود بني قريظة, والتقي سلمان الفارسي بالرسول وذهب يبحث عند كتفيه علي خاتم النبوة, وبرغم رغبته الشديدة في وجوده بين الصحابة لم يستطع سلمان هذا الا قبل غزوة الخندق عندما حررت رقبته, وكان الرسول عليه السلام يطري فطنته وعلمه كثيرا, كما كان يطري خلقه ودينه, وكانت نصيحته الحربية سببا من أسباب نصر المسلمين. ويحكي خالد محمد خالد عن شخص سلمان الذي عاصر زمن خلافة أبي بكر وعمر ورحل في عهد عثمان, وكان أشبه الناس بعمر وفي يوم موته لم يكن معه من طيبات الدنيا سوي صرة مسك ثم دعا بقدح ماء فإنه قد حضر خلق من خلق الله لا يأكلون الطعام وإنما يحبون الطيب. وهم من كانوا معه يوم, فارق الحياة.
بطل فوق الصليب
هو خبيب بن عدي الذي كان جنديا باسلا في غزوة بدر وصرع بسيفه الحارث بن عامر بن نوفل فأصبح بهذا الإقدام رقما صعبا في ذاكرة قريش التي أرادت أن تثأر لقتلاها, ولم يكن هذا ما يهم خبيب الذي كان ضمن العشرة الذين اختارهم الرسول ليروا ماذا تفعل قريش بعدها, ولكن ما حدث ان عيون قريش قد رصدتهم حتي إذا بلغوا مكانا بين عسفان ومكة التف عليهم مائة رجل بعد أن رصدوا آثاره تمر بيثرب في هذا المكان. فلما أحسوا الغدر من قريش صعدوا إلي قمة عالية علي رأس جبل, عندئذ بدأ الرماة المائة في إطلاق السهام ولم يرض القائد عاصم بن ثابت الأنصاري الاستسلام وذهب مع الشهداء السبعة شهداء واستشهد ثامنا ليبقي اثنان فقط من المؤمنين هما خبيب وزيد اللذان بيعا إلي قريش, فسارع القرشيون في شرائه فقرروا قرارا لم تعرفه العرب من قبل وهوصلب الرجل ثم قتله فوق الصليب, وبالفعل كان ما كان من أمره الا أن حدثين يمكن أن يستوقفانا أحدهما رفض الطيور الجارحة النيل من جثته بعد التحليق لزمن بعد موته, والآخر هو معرفة الرسول بما حدث له وإرساله زبير بن العوام المقداد بن عمرو لينزل جثمانه والمقداد بن عمرو والزبير بن العوام ويواروه التراب بعد أن دعا الله بأن يبلغ رسوله ما صنعه به العداة.
وتتعدد الوجوه فستون صحابيا يعد وصف ملامحهم النفسية ليس بالمهمة السهلة, فمنهم أبو ذر الغفاري زعيم المعارضة, وبلال بن رباح الساخر من الأهوال, عبد الله بن عمر المثابر الأواب, سعد بن أبي وقاص الأسد في براثنه, وأبو هريرة ذاكرة عصر الوحي, أبو جابر عبد الله بن عمرو ظليل الملائكة, أبو سفيان بن الحارث من الظلمات إلي النور, حتي نصل إلي سالم مولي أبي حذيف الذي قال عنه خالد محمد خالد ونعم حامل القرآن وقبلهم جميعا أبو ايوب الأنصاري أهم صحابي دفن في بلاد الروم ومازالت اسطنبول تحتفي به.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.