تعيش الأمة الإسلامية أزمات وخلافات وشقاقا وتشتتا وصراعا وتراجعا نعانى جميعا ويلاته، وتجرنا إليه دوافع داخلية وخارجية تستفيد جميعها من هذا الشتات وذلك التراجع، وكلما تأملت هذا المشهد وجدت أن سببه الأصيل أزمة أخلاقية طاحنة نعانى منها فى كل شيء السياسة والاقتصاد والعلاقات الخاصة والعامة والتعاملات الشخصية وغير الشخصية والتنافسات غير الشريفة، ومحاولات البعض النيل من البعض الآخر بلا أسس ولا ضوابط ولا تحريم لمحرم ولا تقدير لشيء، وأضحينا بكل أسف نعانى حالة شديدة الصعوبة من الإسفاف الذى يجرنا إلى الخلف. ولست أقدم جلداً للذات ولا تبريرا ولا شماعة للازمات، وإنما فقط أفكر وأبحث معكم عن مخرج لكل ما نعانيه على كافة المستويات من أزمات ومشكلات تخطت طاقة الاستيعاب البشرية وباتت تبحث عن علاج شاف، وقصدت فى بحثى عن العلاج لأزماتنا طبيب القلوب وسيد البشر وحبيب رب العالمين جدنا الحبيب المصطفي،صلى الله عليه وسلم، فما وجدت من علاج شافٍ أكمل ولا أعظم من قوله، صلى الله عليه وسلم، إنما بعثت لأتمم مكارم الخلاق. إن الأمة بكل مستوياتها وكافة أطيافها لهى أشد ما تفتقد اليوم إلى مكارم الأخلاق، ولقد عدد رسولنا الكريم فضائل حسن الخلق فى غير موضع فى أحاديث نبوية صحيحة منها: قوله صلى الله عليه وسلم: »ما من شيء يوضع فى الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة.»صحيح الترمذي، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما شيء أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، فإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء» صحيح الترمذي، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلة الرحم، و حسن الخلق، و حسن الجوار، يعمرن الديار، و يزدن فى الأعمار، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:»أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، الموطأون أكنافا، الذين يألفون و يؤلفون، و لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:»أفضل المؤمنين إسلاما من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا؛وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله تعالى عنه، وأفضل الجهاد من جاهد نفسه فى ذات الله عز وجل: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا، صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم». ودعونى أؤكد لكم عمليا أن أزمة مصر أخلاقية بالأصل فإذا نظرنا للأزمة الاقتصادية وجدنا عادات سيئة كالرشوة والفساد والاحتكار والطمع والاستحواذ والسرقة وغياب الأمانة، ومشكلات السولار والبنزين والاستخدام غير الرشيد للطاقة والإسراف الزائد فى استخدام الطاقة الكهربية كلها أمور ترتبط بعدم الانضباط فى الاستخدام ولست هنا احمل المواطن الوزر كاملا بل أؤكد أن بعض المسئولين من ذوى الضمائر الميتة يتسببون فى تفاقم الأمور بسبب غيابهم الكامل عن أداء مهامهم أو التباطؤ فى أدائها. ولو انتقلنا إلى ملف مهم وخطير كالمرور فنجد السير عكس الاتجاه والرعونة فى القيادة والمغالاة فى ردود الأفعال فى حال حدوث مشكلات بل إننى كنت شاهد عيان على حادثة على الطريق الدائري، إذا بشاب يقود سيارة عكس الاتجاه ثم يصطدم بشخص محترم ثم ينزل ويكيل له أشد السباب رغم انه هو من جاء عكس الاتجاه، وعلى ذلك فقس. إن الحكومة الحالية لتتحمل المسئولية على أفضل ما يكون وخرجت بنا بشكل ملحوظ عن إطار الحكومات المؤقتة والانتقالية وصاحبة مهمة تسيير الأعمال وتعمل بصدر مفتوح وجهد لا ينقطع لتقديم شئ يلمسه المواطن، لكنها لن تنجح مهما تكن إمكاناتها الا إذا عادت الأخلاق للمواطن فى التعامل مع رغيف الخبز وقواعد المرور وضوابط التعامل فى الشارع بالشكل الذى يجعلنا نقابل ما يبذل من جهود بوعاء أخلاقى رشيد لنخرج جميعا من أزمتنا الحالية حتى يكتمل المشوار برئيس منتخب يعيد الدولة لمكانتها وهيبتها ويصل بنا إلى بر الأمان. وتبقى كلمة: أمة بلا أخلاق لا قيمة لها مهما حققت من إنجازات، فالغرب حقق الكثير والكثير لكنه غرق فى عالم الماديات التى غابت عنه الروح المتمثلة فى الأخلاق، ونحن أمة تملك حضارة قيمية وأخلاقية تنطلق من سنة الحبيب المصطفي، صلى الله عليه وسلم، ما أحوجنا لأن نفعلها مع الأخذ بأحدث الأساليب العلمية والتكنولوجية فى إطار تلك الضوابط الأخلاقية لتتحقق نهضة الأمة المصرية، فنهضتنا لن تكتمل إلا إذا بذلت الجهود الرسمية والشعبية وقابلها المواطنون بحاضنة من الأخلاق المحمدية التى تقوى وجهتنا إلى الخير إن شاء الله. لمزيد من مقالات السيد محمود الشريف