الفقر والأمية والحاجة هى ملامح مشتركة تجمع بين فتيات كثيرات بدأن حياة الشقى والكفاح مبكرا، ربما فى العقد الأول من عمرهن وبدلا من أن تلعب تلك الصغيرة بعروستها نجدها تتحمل مسئوليات فوق طاقتها، كأن تساهم فى تربية طفل، رغم أنها فى أشد الحاجة لمن يهتم بها، أو أخرى تنتظر عربة نصف نقل عند كوبرى مدخل القرية بدلا من انتظارها «باص المدرسة» وتحمل فى يديها الكيس أو المنديل الصغير الذى تحرص عليه لأنه ببساطة يحتوى على طعام الغداء الذى ستتناوله حيثما تأتى فترة الراحة عند آذان الظهر، فهى تبدأ يومها من السابعة صباجا لينتهى مع غروب الشمس لتعود لبيتها بنفس الطريقة محشورة فى عربة نصف نقل.. وهذا الحال لا يختلف كثيرا سواء كانت فتاة صغيرة أو امرأة أو أرملة وتستمر بها الحياة إلى أن يتعب جسدها معلنا التمرد على العمل فلم يعد يقوى عليه لتجد نفسها فى الشارع لا تجد من يعولها هى ولأسرتها فهى كما تقول تعمل بصحتها، فلا قانون يحميها ولا مظلة تأمينية تصونها من غدر الأيام .. وتقول سحر عثمان مسئول سكرتيرة المرأة العاملة باتحاد نقابات عمال مصر: ارتبطت مهنة الخادمة فى مصر على مدار سنوات عديدة بصورة نمطية تحمل ملامحها تفاصيل الفقر والأمية والحاجة.. لتوفير حقوق العمالة غير المنظمة فى مصر فإنه ينبغى إزالة أي قيود تشريعية أو إدارية أو غيرها من العوائق المطروحة أمام حق هؤلاء العاملات فى الانضمام إلى الحركة النقابية المصرية حيث يمكن انتسابهم إلى النقابة العامة للخدمات الإدارية والاجتماعية أو السماح بتكوين رابطة لخادمات المنازل أو الزراعية ترعى مصالحهن وتكشف ما يتعرضن له من أسوأ أشكال العنف والتعذيب فى ظل غياب حقوقهن القانونية، وإيجاد شراكة بين المنظمات غير الحكومية والجهات الحكومية المعنية مثل وزارة القوى العاملة والهجرة ووزارة التضامن الاجتماعى. وهنا يثور تساؤل ما هو الوضع القانونى للعاملات في المنازل؟ تقول سحر وردت الإجابة على هذا التساؤل في المادة الرابعة من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 حيث نصت على حرمان العاملات في قطاع الخدمة المنزلية من سريان أحكام القانون حيث ضمت عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم إلى القطاعات التي لا تسرى أحكام قانون العمل عليها. وتضيف أن البطالة هى من أبرز الأسباب التي تدفع الفتيات والنساء للعمل في المنازل فقد ارتفع معدل البطالة بين الإناث من 22.6% إلى 24% ، وبلغت نسبة الإناث المتعطلات أكثر من 50 % من إجمالي أعداد المتعطلين، وسجل معدل البطالة بين الإناث 24% أى أكثر من ثلاثة أمثال معدل البطالة بين الذكور. وهذا الواقع الصعب يدفع بالفتيات، ولاسيما من الطبقات الاجتماعية الدنيا، إلى البحث عن فرصة للعمل فى الخدمة بالبيوت وتربية الأطفال ورعاية المسنين، وهو ما لم يكن بجديد أو يعد كظاهرة حتى وقت قريب، إذ كان الأمر يقتصر على غير المتعلمات. ولكن مع مطلع سنوات التسعينيات طرقت أبواب هذه المهنة فئات أخرى يحملن مؤهلات علمية عليا، و تغيرت مفاهيم كثيرة في سوق العمل، فسعت أسر كثيرة إلى إضفاء نوع من الوجاهة الاجتماعية بالاعتماد على خادمة جامعية، ولكن سرعان ما تراجع الاعتماد عليهن فى الفترة الأخيرة بصورة كبيرة وحلت مكانهن الخادمات الأجنبيات من جنسيات مختلفة ( إثيوبيا، ارتريا، السودان، الفلبين، اندونيسيا. فوفقا لما هو شائع فإن قطاعا كبيرا من النساء الفقيرات ممن يقدمن على العمل في «خدمة البيوت» يكون الدافع الأول والمحرك الرئيسي لهن هو عدم وجود خيار أخر أمامهن فهى في غالب الأحيان امرأة معيلة، أو أرملة، أو مطلقة، أو زوجها غائب للسجن أو لسبب ما، أو مسئولة عن نفسها أو تساعد والديها على متطلبات الحياة. وبتراجع الاعتماد على تلك الفئة من الخادمات وتتأثر دخولهن المادية كثيرا مما يهدد حياتهن الاجتماعية واستقرارهن. وتطالب مسئول سكرتيرة المرأة العاملة باتحاد نقابات عمال مصر بضرورة تفعيل مشاركتهن وتنظيمهن من خلال إنشاء رابطة مهنية للدفاع عن مصالح عاملات المنازل. وتفعيل دور لجان الطفولة على المستوى المحلى لحماية عاملات المنازل دون سن 18 عاما وإلزام المنظمات غير الحكومية والأطراف الحكومية المعنية بوضع سياسة وقائية لحماية عاملات المنازل. وتقول هدى محمد عمر سكرتير المرأة العاملة والتنمية الريفية أن النقابة العامة للزراعة أعدت برنامجا لتمكين المرأة المعيلة اقتصاديا وذلك عن خلال توفير بعض المشاريع الصغيرة لزيادة دخل المعيلة على سبيل المثال (تربية الماعز –الخراف-الارانب- الزراعة النظيفة) حيث ثبت أن المرأة المعيلة مهمشة ولا توجد تحت المظلة القانونية رغم أنها العائل الوحيد اء للأسرة. وتضيف أن هناك العديد من المعوقات والتحديات التى تواجهها ومنها ارتفاع نسبة الأمية، وتدنى الأجور مقارنة بالرجال، والزواج المبكر، وعدم توافر ظروف وبيئة العمل الملائمة من سلامة وصحة مهنيية وأمان وظيفى لعدم وجود غطاء تأمينى صحى أو اجتماعى، وغياب المظلة القانونية التى تمكنها من حيازة الاراضى، بالإضافة إلى الحرمان من أى ضمانات قانونية حيث كانت المادة 159 من قانون العمل الموحد رقم 137 لسنة 1981 تنص على استثناء العاملات فى الزراعة من احكامه ومع إلغائه واصدار القانون رقم 12 لسنة 2003 تم الحرص أيضا على النص على هذا الاستثناء الاستفزازى الغريب بالمادة 79 منه. وتقترح سكرتير المرأة العاملة والتنمية الريفية ضرورة تضمين المرأة فى مظلة الحماية التشريعية القانونية المناسبة، وتطوير منظومة التأمين الصحى والاجتماعى بحيث يكفل الحماية الصحية والاجتماعية والبيئية والتعليمية لها، لوالعمل على دمجها ومنحها تسهيلات ائتمانية وبنكية لتطوير قدراتها الانتاجية، بالإضافة إلى دعم ومساندة الأسر الفقيرة التى توجد بها فتيات لتمكين الأسرة من استمرار بناتها فى التعليم مع إقامة فصول محو أمية بالقرب من سكن العاملات.