لا أعلم إلى متى ستستمر فوضى الفتاوى التي تجتاحنا بين الحين والآخر، والمفترض أنها صادرة من شيوخ وعلماء لهم مكانة؟! تلك الفتاوى أقل ما توصف به أنها شاذة، وتخلق حالة من الانقسام والجدل بين صفوف المتابعين، بل وتظل مثاراً للسخرية والغضب. فقد انزعجت آذاننا وقلوبنا من قبل على الفضائيات والمواقع الإلكترونية بفتاوى عبثية؛ مثل فتوى «إرضاع الكبير» و«السيجارة في نهار رمضان لا تفطر» و«إباحة القبلات بين الشباب والفتيات» وغيرها من الفتاوى التي أثارت بلبلة وإشكالات.. وإذا بنا ننزعج أكثر من ذي قبل منذ أيام، بالفتوى الأخيرة للدكتور ياسر برهامي الغريبة؛ والتي تبيح جواز ترك الزوج زوجته تغتصب إذا كان سيتعرض للقتل على يد المعتدين الذين يريدون الاعتداء على زوجته من باب الحفاظ على حياته، مشيراً إلى أنه في حال تيقن الزوج بوقوع مضرتين؛ وهما القتل والاغتصاب، فيجوز له أن يدفع بالاغتصاب حفاظاً على النفس.. مستشهداً بفتوى للإمام العز بن عبدالسلام عن وجوب تسليم المال للصوص؛ حفاظاً على النفس من القتل! وقد قوبلت تلك الفتوى بالهجوم الشديد عليه، فحفظ العرض من المقاصد العليا في الشريعة، وبإجماع العلماء؛ فالمسلم لا يقبل على نفسه تلك المهانة بترك زوجته للمعتدين حتى ينجو بنفسه، وليس من صفاته الخسة والنذالة والدناءة وعدم النخوة.. فالدفاع عن العِرض واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد». إن تلك الفتاوى ليست الأولى للشيخ برهامي التي تثير جدلاً واسعاً، وعليه فإني أرى أنها «فرقعة» لتنشغل أوساط الرأي العام بها، فإن مسألة العرض ليست محلاً للجدال أو المناقشة ولا تقبل القسمة على اثنين.. كل هذا مع اقتناعي الكامل بدور أهل الاختصاص في إصدار الفتاوى من هيئة الأزهر والتي لا ينبغي أن تصدر دونهم. كان ينبغي للشيخ إذا أراد أن يجتهد أو يدلي بدلوه في رأي ما بألا يسمح لنفسه بأن يضع نفسه محلاً للانتقاد والسخرية.. كان الأولى أن يركز آراءه واجتهاداته على قضايا أهم بكثير ويلقي الضوء عليها، والتي يحتاجها وطننا في تلك المرحلة الدقيقة التي نعيشها؛ كتضافر الجهود للعمل والإنتاج، ورأب الصدع بين أبناء الوطن المنقسمين، والعدل، والإصلاح،والتربية. لمزيد من مقالات أحمد مصطفى سلامة