لم أكن أعرف أن الدكتور عاطف العراقي, أستاذ الفلسفة المعروف, من قرية كفر الدبوس بناحية شربين دقهلية, إلا عندما نظم الفنان مسعد غيث سلسلة ندوات في ساقية الصاوي لشربين, إذ وجه دعوة للرجل فلباها رغم تعبه الشديد, وعدم قدرته علي الحركة بسرعة, لاعتبارين, السن والمرض.. إلا أن الدكتور عاطف العراقي فرح كثيرا بالدعوة رغم أنها متواضعة إلي جانب عشرات الدعوات التي جاءته من جامعات مصر والعالم العربي.. والسبب يرجع إلي أن كفر الدبوس التي ولد فيها عاطف العراقي قد اعترفت بفضله وأستاذيته علي الكثيرين, لذلك تفاخر العالمين بأن الرجل تنسم هواءها وخالط أهلها عندما كان صبيا وفي مقتبل الشباب.. وأذكر أن هاتفني الرجل وشعرت إلي أي حد كان حريصا علي الذهاب والعودة في نفس اليوم.. وقد حشد له مسعد غيث شباب شربين وقراها ليستمعو ا إليه ويناقشوه فيما قال من أفكار خصوصا أفكاره الخاصة بابن رشد, وهي في مجملها جديدة ومبتكرة, لاسيما كتابه الذي يحمل عنوان: الفيلسوف ابن رشد و الثقافة العربية.. ثم مقالاته بل كتبه التي وضعها حول أستاذه وأستاذنا زكي نجيب محمود... فالحق أن الدكتور العراقي هو أفضل من يكتب عن زكي نجيب محمود, لأنه خالطه شابا وكهلا إن صح التعبير: ودرس معه الفلسفة وأصولها وبرع فيها حتي أصبح فيلسوفا تقر بموهبته الأجيال, وللإنصاف يجب أن نذكر أن الدكتور عاطف العراقي قد شارك بقلمه وفكره في تأريخ الفلسفة, وهو الفيلسوف المصري المعاصر لنا بعد رحيل جيل الفلاسفة أ مثال أبوريدة, وزكي نجيب محمود, وعبدالرحمن بدوي.. أطال الله في عمره وأبقاه. ولأننا افتقدنا الحوار بين الأجيال, فإن لقاء د. عاطف العراقي قد ترك أثرا طيبا بين الأجيال التي قابلته في شربين وحملني الكثيرون الرغبة في لقائه مثني وثلاث ورباع, باعتباره من أعلام الدقهلية المعدودين, كما يصادف بعضهم مقالاته في الصحف المختلفة, وبرامجه التليفزيونية المبهرة, خصوصا لقاءه مع الشاب المثقف أحمد المسلماني, لابد أن نعترف أخيرا بأن د. عاطف العراقي هو محطة مهمة في تكويننا الثقافي والفكري, فهو يحرضنا علي الفكر, ويشجعنا علي أن نقرأ المفكرين دون أفكار قبلية. إنه أستاذ بمعني الكلمة نتمني نحن, مريديه, أن نحاوره ونجلس معه وإليه.. أطال الله في عمره.