نحتفل اليوم بعيد قيامة السيد المسيح من بين الأموات، التى هى مركز الإيمان المسيحى وقلب الإنجيل وخلاصته. قام المسيح لننال نحن ثمار خلاصه وفدائه أى غفران خطايانا والحياة الجديدة فى الروح القدس. يخبرنا الإنجيل بأننا محبوبون من الله وأن حبه لاينتهى بالموت بل يذهب لما هو أبعد منه، فالموت لايعيق حب الله أو يعرقله. يقول سفر نشيد الانشاد «المحبة قوية كالموت» (6/8). ولكن قيامة المسيح تثبت أن حب الله أقوى من الموت. فنحن ننعم بالطمأنينة والأمان فيه لأنه حب بلا حدود. فمغفرته تجعل، بما لايقبل الشك، أن خطايانا قد غرقت فى حبه، والقيامة تكشف أن حبه قد تفوق على موتنا. فأن تقول لشخص «أنا أحبك»، يعنى أنه تقول له «لن تموت» هكذا يقول الفيلسوف جبريل مارسال. وحدها المحبة الحقيقية تعطى معنى للحياة، ووحدها قيامة المسيح تؤكد انتصار الحب على الأنانية. أولا: محبة المسيح القائم تعطى معنى للحياة هناك كلمات مضيئة لايخلو منها أى قاموس بشري: مثل السعادة الحرية العدل الجمال الخلود وغيرها. إلا أنها جميعها تبدو بالنسبة إلى «المحبة»، كما تبدو الكواكب بالنسبة إلى الشمس، فالمحبة هى الشمس التى بدونها كان العالم ظلاما فى ظلام. والمحبة عند يسوع ليست فعلا شكليا يقتصر على الكلام اللطيف والمجاملة تجاه الإنسان، بل هى محبة ركن أساس فى حياة يسوع وتعاليمه. إن الله قريب من الإنسان منذ أن خلقه، وقد التزم محبة الإنسان منذ أن أوجده. وقد اظهر يسوع بنوع فائق رحمة الله ومحبته، فكان يجول يصنع خيرا ولاسيما للفقراء والضعفاء والمنبوذين، وكان يجلس مع الخطاة والعشارين ويتناول الطعام معهم، ولم يكن هذا تعبيرا عن سعة أفكاره الاجتماعية، وعن تفهمه البشرى لضحايا المجتمع بقدر ماهو تعبير عن بدء تحقيق ملكوت الله، الذى هو ملكوت المحبة والمسامحة والخلاص. وحتى خطيئة الانسان لاتوقف محبة الله ورجاءه فيه، لأنه يعرف أن الموقف السلبى عند الانسان سوف يتحول إلى موقف إيجابي، وأن الظلمة التى فيه ستتحول إلى نور، حكم الجميع على المرأة الخاطئة وزكا العشار والمرأة السامرية، بأنه لارجاء فيهم، ولكن يسوع أحب كل شخص منهم كما هو، لا كما يتصوره الآخرون. نحن نحب فقط ماهو ظاهر فى الإنسان، قدرات ومواهب وجمال وماقد يوفره لنا من رضيا، لذا فإن محبتنا مشروطة وتنتهى سريعا، أما محبة الله المجانية غير المشروطة للإنسان، فتمنحه الثقة وتساعده كى يولد من جديد، لأن المحبة الحقيقية هى التى تساعدنا أن نتصالح مع أنفسنا، فنخرج من الظلمة إلى النور، وننتقل من الموت إلى الحياة. ثانيا: محبة المسيح القائم تنتصر على الأنانية أتاح لنا يسوع أن نكتشف المحبة الحقة التى لاتقوم إلا على العطاء، ويسوع لم يعط فقط أشياء، إنما أعطى ذاته طيلة حياته لخدمة البشر. ولكن بقى أن يزال الحاجز الذى أقامته الخطيئة فى صميم الإنسان بينه وبين خالقه، هذا الحاجز هو إنغلاق الإنسان على ذاته دون الله، هو عبادة الأنا التى حكمت على الإنسان بعزلة مميتة. لذلك كسر يسوع هذا الحاجز بأن داوى أنانية الإنسان بالإنفتاح الكامل والعطاء الكامل، فقد أخلى ذاته آخذا صورة العبد (فيلبى 7/2)، وأراد أن يخدم لا أن يخدم (متى 28/20)، أن يبذل لا أن يأخذ. لم يتهرب يسوع من الألم والموت ولم يتراجع بل بقى أمينا لرسالته حتى الموت، ولم يكن بإمكان الموت أن يضبط سيد الحياة ومصدرها، هكذا انتصر المسيح على الموت عندما اجتاز ظلمته، «بموته داس الموت» كما تنشد الكنيسة. أحرز يسوع هذا الانتصار من أجلنا نحن لكى يجعلنا مساهمين فيه. نعم، إننا لانزال نخطيء ونتألم ونموت ولكن طاقة الحياة الظافرة زرعت فى أعماقنا. نحن منتصرون بقدر اتحادنا بالمسيح القائم. وهكذا يمكننا أن نعيش فرح القيامة، ونشعر بنبضات الحياة تدب فى عروقنا، عندما نصر على مواصلة العيش بأمانة وكرامة رغم مانتعرض له من ضغوط وإحباطات، عندما نحافظ على ضمائرنا حية ونقية رغم إغراءات الانحراف التى تضغط من كل جانب، عندما نسعى للوقوف إلى جانب الناس الأكثر احتياجا دون النظر إلى المصلحة أو الدين أو الجنس، وأخيرا عندما ينظر كل منا إلى حياته الشخصية، وكم من مرة تعثر وسقط فى اليأس والإحباط، وقام من سقطته أقوى من ذى قبل. لمزيد من مقالات الانبا ابراهيم اسحق