قبل عام واحد انقطعت خدمة الإنترنت و التليفون المحمول عن بر مصر و اضطر المصريون للجوء للوسائل التقليدية لمتابعة أهم و أخطر حشد جماهيري شهدته البلاد وتطورات تحوله لثورة عارمه ادت إلي سقوط رأس النظام وحوارييه. في تلك الأيام أدركنا جميعا أن شبكة الإنترنت لم تعد مجرد منجز تكنولوجي يدمنه الشباب مسايرة للعصر أو للتواصل الاجتماعي و الدردشة, بل أداة اساسية لتحقيق حرية التعبير و تداول المعلومات. و المفارقة أن حالة السخط التي عمت قطاعات كبيرة من شعب مصر نتيجة لانقطاع الإنترنت و الاتصالات الهاتفية في28 يناير الماضي عايشها مستخدمو الشبكة العالمية و مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة يوم18 يناير في عامنا هذا عندما احتجبت شاشات عدد من المواقع الدولية احتجاجا علي مشروع قانون وقف القرصنة علي الإنترنت صوباsopa وقانون حماية الملكية الفكرية بيباpipa المطروحين علي مائدة البحث في الكونجرس الأمريكي. وبرغم أن اللافتة التي يرفعها أصحاب الشركات الإنتاجية الكبري ذات عناوين براقة منع القرصنة و حماية حقوق الطبع و النشر فإن البنود التي يطرحها مشروع القانون, الذي سيكون من أهم نتائجه فرض الرقابة علي مواقع الإنترنت و الحد من القدرة للوصول إليها و بالتبعيه تقليص حرية الوصول للمعلومة و حجب المواقع و تصفيتها, ورفع أي مواد منشورة تخضع لمواد قانون حقوق الطبع والنشر,إضافة لإمكانية ممارسة حظر وصول معلومات بعينها لدول ما ومنع الحصول علي البعض منها مجانا, أتصور أنها تكرس لمصالح أصحاب الشركات الكبري ولتحالف بينهم و بين عدد من الساسة ليس فقط لضخ المزيد من الدولارات في خزائنهم, بل الأهم و الأخطر أن الأمر يبدو أشبه بمحاولة تسليع المعلومة والمعرفة, بل والفنون والمواد الترفيهية واحتكارها, لتضخ أو تمنع طبقا لما يتوافق مع مصالحهم الاقتصادية و السياسية. و بعيدا عن التصورات الشخصية وإذا ما نزلنا لأرض الواقع فسنجد أن قانون صوبا. الذي يمثل بشكله الحالي خطرا حقيقيا علي مواقع شهيرة مثل ويكيبيديا وجوجل والفيس بوك و تويتر,قد أثار ردود فعل قاسية حول العالم. فالقانون لا يعني فقط فرض قيود علي الحصول علي المعلومة بل أيضا يحظر علي مستخدمي الفيسبوك واليوتيوب استخدام أي فيديو لأغنية أو صورة أو مشهد درامي, إضافة لمنع تحميل أي مواد فنية من المواقع المجانية, الأمر الذي سيؤدي حتما إما للبحث عن مواد لا تخضع لحقوق النشر أو مواجهة عقوبة السجن لمدة خمس سنوات في حالة سهو القائمين علي تلك المواقع عن إزالة كل المواد الخاضعة للقانون.!! والحقيقة أن التوقيت الذي بدأت فيه محاولات إقرار هذا القانون و المبررات التي ساقها من يدعمونه تطرح أكثر من علامة استفهام و تعجب. فمن المعروف مدي أهمية الدور الذي لعبه الإنترنت وتحديدا شبكات التواصل الاجتماعي في ثورات تونس ومصر و ليبيا واليمن و سوريا حتي هذه اللحظة, و إن الصورة النمطية للشباب العربي الذي يوظف التكنولوجيا العصرية للتعارف و الدردشة واهدار الوقت فيما لا يفيد, سقطت. مع ذلك نجد أن أحد مبررات محاولات تمرير هذا القانون حاليا أن ثورات الربيع العربي أدت لزيادة ملحوظة في أعداد مستخدمي الشبكة, مما يحتم فرض رقابة علي الإنترنت من خلال برنامج تستخدمه شركات الإنتاج الأمريكية, يتيح لها حجب المواقع خارج نطاق الولاياتالمتحدةالأمريكية وإغلاق المواقع التي تتيح تحميل أشرطة الفيديو والموسيقي, وأيه مواد أخري لحقوق الطبع والنشر. و بغض النظر عن مدي مشروعية أو منطقية المبررات التي كادت أن تدفع بالكونجرس الأمريكي لإقرار القانون, لولا كم الاحتجاجات و المعارضة التي اتخذت أشكالا عدة وترواحت ما بين احتجاب حوالي7000 موقع علي الشبكة و جمع توقيعات علي بيانات تم تداولها علي شبكة الإنترنت و رفعها للرئيس الأمريكي و الكونجرس, فالحقيقة المؤكدة أن الفضاء الافتراضي لا يتمتع بقدر الحرية الذي يتصوره البعض أوأنه لا يخضع لأي شكل من الأشكال الرقابية أو أن كل مواقعه متاحة للجميع و في كل الأوقات. فالرقابة علي الإنترنت حقيقة و إن اختلف درجتها من بلد لآخر, فبينما تختفي تماما في بعض البلدان, نجد تفاوتا في درجتها في بلدان أخري لتتراوح ما بين حجب بعض المواقع و المعلومات وبين منع مواقع النقاش و التواصل و تصفية المحتوي والسيطرة الكاملة علي المعلومة الواردة عبر تقنيات متقدمة. و برغم أن عملية الرقابة علي الإنترنت و تأثيرها علي حرية تبادل المعلومات و حرية التعبير سواء علي المستوي الفردي أو علي مستوي الدول, فإن تعليق إقرار القانون الآن لا يلغيه تماما أو ينفي احتمالية طرحه بشكله الحالي أو بصياغة أخري, أمر جد خطير يتحتم مناقشته ووضع خطط لمواجهة محاولات فرض التعتيم و العودة لزمن المعلومة الأحادية الموجهة, إن الأمر لم يخل من بعض المواقف الطريفة و الساخرة في كثير من الأحيان, فبينما دعا جيمي ويلز الشريك المؤسس لموسوعة ويكيبيديا الطلبة للإسراع بإنجاز واجباتهم الدراسية قبل أن تحتجب الموسوعة يوم الأربعاء18 يناير لمدة24 ساعة, حفل الفضاء الافتراضي بفيديوهات تقدم حلولا ساخرة لمواجهة إظلام شاشات الكومبيوتر. ويظل السؤال و علامة الاستفهام الحائرة و الإجابة المعلقة في فضاء افتراضي لا محدود, فهل سينتهي عصر الفيس بوك و اليوتيوب بسبب الصوبا والبيبا.!! من يدري!! ge.gro.marha@ahieless