كثيرا ما أثارت قطر علامات استفهام كبرى وأسئلة حائرة حول دورها الإقليمى فى الشرق الأوسط وقبولها أداء مهام معينة مطلوبة ومخطط لها وفقا للإملاءات الأمريكية والسيناريوهات المرسومة بدقة شيطانية لإعادة صياغة وتشكيل المنطقة على هوى الغرب وبشروطه. وجاءت «عاصفة» الربيع العربى فى 2011 لتسير السفينة القطرية فى رحابها وتستغل صعود التيار الإسلامى بقوة نحو السلطة لنسج خيوط مؤامراتها الحاصلة على الضوء الأخضر من واشنطن لزرع أنظمة جديدة تدخل بيت الطاعة الأمريكي. وظهرت موخرا وثائق سرية للغاية تبرز اتصالات مكثفة قادها السيناتور الأمريكى ليندسى جراهام بالدوحة فى 30 مايو 2011 ، حيث كان أمير قطر الحالى تميم وليا للعهد وقتذاك ، وبارك الدعوات الأمريكية للتخلص من الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى عبر توجيه ضربة جوية والثورة الشعبية فى عنفوانها. وبعد إقصاء الإخوان عن السلطة فى مصر ، تحركت مجموعة من دول الخليج لتقويض المخطط الأمريكى القطرى ، وما كان قرار سحب سفراء السعودية والبحرين والإمارات من الدوحة إلا بداية الطريق نحو تجريد قطر من أسلحة الضغط وتكوين «حائط صد خليجى» قوى أمام المساعى الأمريكية لمزيد من الهيمنة ، وذلك عن طريق كسر شوكة قطر إلا أن هذا التحرك العربى الموحد من شأنه تحفيز الإدارة الأمريكية على التفكير فى رد عملى وسريع على هذه الخطوة ، خصوصا وأن رصيد العلاقات بين واشنطنوالدوحة كفيل بعدم التضحية ب«الفتى الخليجى المدلل». وبتعدد القواعد العسكرية الأمريكية فى الدوحة لم يعد من المنطقى أن تتخلى واشنطن عن حليف مهم ومطيع فى المنطقة. غير أن كل شيء متوقع من جانب أمريكا للحفاظ على مصالحها ، وبخاصة بعد القرار الخليجى الأخير ، فالتاريخ الأمريكى مليء بالمواءمات ، فإذا كانت قطر حليفا مهما ، فإن خزائن النفط وصفقات السلاح فى السعودية والاستثمارات الضخمة فى البحرين والإمارات أيضا غنيمة ثمينة تجبر أى إدارة أمريكية على إعادة الحسابات والبحث عن حلول لعلاج هذا النوع من الأزمات والضربات المباغتة. فهل ننتظر خلال الأيام المقبلة ردا أمريكيا «عنيفا» على ظهور حائط الصد الخليجى الجديد ، أم أن حسابات المصالح ستكون لها الكلمة العليا بالنسبة للإدارة الأمريكية؟ وهل يمكن أن تكون هذه اللطمة الخليجية غير المباشرة جرس إنذار لواشنطن حتى لا تستمر فى خسارة حلفائها واحدا تلو الآخر نتيجة مقامراتها الخاطئة؟