لم تكد الهدنة بين قادة المعارضة والرئيس الأوكرانى فيكتور يانوكوفيتش تدخل حيز التنفيذ حتى عاد الشارع الأوكرانى للاشتعال مرة أخرى إثر تجدد الاشتباكات أمس بين آلاف المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب فى ساحة الاستقلال بالعاصمة الأوكرانية كييف. ورصدت وسائل الإعلام العالمية المحتجين وهم يرشقون رجال الشرطة بالقنابل الحارقة، فيما ردت الشرطة بإطلاق الغازات المسيلة للدموع، وخيمت سحابة من الدخان الأسود المتصاعد من حرق إطارات السيارات على الميدان. وأشارت التقارير إلى مصرع أكثر من 21 شخصا وإصابة العشرات فى احتجاجات أمس فقط، والتى شهدت اختراق مئات المتظاهرين الطوق الأمنى المفروض على ميدان الاستقلال مركز الاحتجاجات فى قلب كييف، وكذلك اقتحامهم للطوق الأمنى المحيط بالبرلمان، مما دفع رئيس البرلمان إلى مطالبة جميع العاملين بمغادرة المبنى، فى حين أشارت تقارير أخرى إلى العثور على 10 جثث وسط الميدان مغطاة بالبطاطين. ومن جانبها ، أعلنت وزارة الداخلية الأوكرانية مصرع شرطى وإصابة أكثر من 28 آخرين من رجالها ، واتهمت المحتجين باستخدام الذخيرة الحية ضد قواتها. وأوضحت الوزارة فى موقعها الإليكترونى أن »قناصة أطلقوا النار على الشرطة«، مضيفة أنها تشتبه فى أن من يطلقون النار كانوا فى مبنى مجاور محترق، مشيرة إلى أن رجال الأمن ردوا بإلقاء قنابل ضوئية وصوتية وإطلاق الرصاص المطاطي. وكان الرئيس الأوكرانى وقادة المعارضة، فيتالى كليتشكو وأرسينى ياسينيوك وأوليه تياهنيبوك، قد اتفقوا فى وقت متأخر مساء أمس الأول الأربعاء على وقف إطلاق النار، وأعلنوا أنهم سيبدأون مفاوضات لوقف إراقة الدماء واستقرار الأوضاع، وهو ما لم يتم الالتزام به أمس من قبل المحتجين. وأكد وزير الخارجية الأوكرانى ليونيد كوجارا أنه على الرغم من »استفزازات« المحتجين المناهضين للحكومة، فإن الشرطة لديها »تعليمات مشددة« لتجنب استخدام »الوسائل الهجومية«. ونفى كوجارا لشبكة »سى إن إن« الأمريكية ما يتردد عن إصدار إذن لقوات الجيش بإطلاق النار على المتظاهرين، وأكد أنه لن يتم تحت أى ظرف من الظروف اللجوء إلى الجيش لتسوية الأزمة السياسية الراهنة، كما حمل المتظاهرين مسئولية احتدام الأزمة. وفى تطور آخر، عين الرئيس يانوكوفيتش أمس الجنرال يورى إيلين قائد القوات البحرية الأوكرانية فى منصب رئيس هيئة الأركان العامة والقائد العام للقوات المسلحة فى أوكرانيا. وفى موسكو، أكد دميترى ميدفيديف رئيس الوزراء الروسى أن بلاده ستنفذ ما وعدت به أوكرانيا، ولكن فقط فى حالة كانت السلطات هناك شرعية وفعالة ولا تسمح لأحد بالاستهانة بها أو »يحولها إلى ممسحة للأحذية«، بحسب تعبيره. وكان ميدفيديف يرد بذلك على الهجوم الغربى الشرس على حكومة كييف، وخاصة بعد اجتماع وزراء الخارجية الفرنسى والألمانى والبولندى مع الرئيس الأوكرانى فى كييف أمس لمناقشة الموقف، وتحذيرات لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسى من استعداد الاتحاد الأوروبى لفرض عقوبات على المسئولين عن العنف فى كييف، فضلا عن تهديد حلف شمال الأطلنطى »الناتو« بإعادة النظر فى تعاونه مع أوكرانيا فى حالة تدخل الجيش ضد المعارضة. وشدد وزير الخارجة البريطانى ويليام هيج على ضرورة مساءلة السلطات الأوكرانية حول العنف المشتعل فى كييف، وأكد فى تغريدة على »تويتر« أن العنف ضد من سماهم«المحتجين السلميين« غير مقبول. وفى الوقت ذاته، حذر أندريه كليويف رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية الاتحاد الأوروبى من اتخاذ إجراءات عقابية ضد القيادة السياسية فى أوكرانيا، مؤكدا أن ذلك »سيزيد الأمر سوءا ، وسيكون بمثابة سكب الزيت فى النار«. وفى واشنطن، أبدى الرئيس الأمريكى باراك أوباما رد فعل حذر على الهدنة فى أوكرانيا ، قائلا إنها »قد تصمد«، لكن ينبغى لأوكرانيا فى نهاية المطاف أن تتحرك نحو حكومة وحدة وانتخابات حرة ونزيهة. يأتى ذلك فى الوقت الذى كشف فيه مصدر دبلوماسى أمريكى أن الولاياتالمتحدة سحبت تأشيراتها من 20 مسئولا أوكرانيا، معظمهم من قيادات الشرطة، حيث حملتهم مسئولية أعمال القمع والاضطرابات السياسية فى بلادهم.