الرموز الفنية هى لغة كالكلمات يمكن من خلالها طرح الأفكار والموضوعات وبناء الخيال, فيتحول إلى واقع مرئى بين الألوان والخطوط، وكما عرف عن الأدب والكتابات من سلاسل وحلقات متتابعة كتلك الإبداعات للأديب الراحل نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل، وغيره الكثير من النماذج التى توالدت على الأرض المصرية الخصبة. وبما أن رموز الثقافة و الفنون على اتصال دائم مهما اختلفت الأجيال، فقد تمكن الفنان د.أحمد عبدالكريم من عمل ثلاثية بعروض تشكيلية بنيت جميعها على «تيمة» و رمزية طائر الهدهد، ليفتتح مؤخراً أحدث معارضه بقاعة بيكاسو للفنون المعاصرة، تحت عنوان «هدهد بنت الجيران» قدم أكثر من30 لوحة، وقد سبقه فى توالى وتتابع معرضان خلال الأعوام الثلاثة السابقة، بدأها بمعرض «قلب الهدهد» وبعد عام وعلى نفس النهج قدم تحت أسم «الهدهد والمعدية» لاستكمال الفكرة وخياله الذى أراد جمع عناصره فى استلهام من هذا الكائن والطائر، الذى وجد فيه د.عبدالكريم ضالته . تحدث الفنان عن الهدهد: «كرمز لا يستهان به فقد خلقه الله سبحانه وتعالى وأيضاً ذكره فى القرآن الكريم والقصص الإسلامى وسير الأنبياء كقصص النبى سليمان وملكة سبأ، كما أن للهدهد العديد من الحكايات التى نسجت من الأثر ليصبح من المورثات المرتبطة بالعقائد والثقافة الشعبية لدى المصريين خاصة والعالم العربى على وجه العموم، فقد امتدت رسومه وتواصله من الناس من حولة حتى أنه ليزين المعابد والقصور الفرعونية القديمة . وأكد أنه تفاجأ مثلنا بهذا الكم اللامتناهى من المفردات والجمالية التى استطاع استخدامها بواسطة رمز «الهدهد» فالطبيعة التى خلقها الله لنا ستظل تدهشنا وتبهرنا وتفوق كل ابتكاراتنا أو حتى أحلامنا . استخدم د. عبدالكريم الهدهد ليتعمق فى معانى انسانية تتعلق بالقلب والمشاعر وتجليات المتصوفين والتوحيد والخشوع، وبين نبضات المحبين و الوجد و الأشواق والتأمل، ثم استطاع بسهولة حملنا معه بمعرض بالجزء الثانى نحو مساحة أخرى واضعاً خطوطاً، تكشف عن الحواجز والمسافات التى تفصلنا عن الآخرين من أبعاد فكرية وثقافية تعوق تفاعلنا مع من يشاركوننا نفس الأرض، وأخيراً بتشويق لم يعتريه أدنى لمحات الملل يعرض الفنان سربه الأخير عن هذا الطائر متناولاً المزيد من الجوانب ومعبراً عن مزيد من الخبايا، لنرى فى لوحاته ارتباطا حقيقيا بالمكان والزمان، وأيضاً إسقاطا لمشاعر الحب البريئة التى من خلالها نستكشف طبيعة قلوبنا وأحاسيسنا البكر وكأنه أستعاد من الهدهد صندوق ذكرياته القديم وبفنون تتلاحم مع المجتمع وتبث فينا مشاعر قد فقدت، نظراً لكل المتغيرات التى تحاصرنا من كل الإتجاهات، لتبقى السماء بلا حدود خانقة وفقط طائر الهدهد سيظل يتمكن من التحليق بعيداً عن كل الأنظار ويرجع فقط حين تعود للحياة فطرتها وجمالها .