وضع الإسلام منهجا متكاملا لرعاية الفقراء والضعفاء والمحتاجين، بل إن الإسلام جعل رعاية اليتيم، والحض على طعام المسكين مساويا للإيمان بالله. وفى ظل ما تشهده المناطق العشوائية من أوضاع معيشية متردية، وتحول الكثير منها إلى قنابل موقوتة تهدد أمن واستقرار المجتمع، جاءت مبادرة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف بتخصص خطبة الجمعة الماضية وتسيير قوافل دعوية فى المحافظات للدعوة إلى تطوير العشوائيات. وكانت استجابة مجلس الوزراء برصد 199 مليون جنيه كمرحلة أولى لتطوير 17 منطقة عشوائية بالقاهرة والتى تضم وحدها 112منطقة عشوائية يقطنها 40% من سكان القاهرة، يعيشون فى ظروف انعدمت فيها كل مقومات العيش الآدمي، وتحولت إلى بيئة خصبة للأمراض والتلوث والجريمة والإرهاب وتصدر إلى جميع المجتمع أجيالا جديدة من محترفى الإجرام وفاقدى الانتماء. ونحن بدورنا نتساءل: هل تكفى جهود الدولة وحدها لإنقاذ سكان العشوائيات؟ ولماذا تراجعت أوجه الإنفاق وتبرعات القادرين والتى أوجبها الإسلام على الأغنياء؟ علماء الدين يطالبون رجال الأعمال بالمساهمة والمشاركة مع الدولة فى توفير الخدمات لتلك المناطق. كما طالبوا بضرورة تضافر الجهود بين جميع الجهات المعنية لتحقيق التطوير الكامل لهذه المناطق، ليس فقط عمرانيا ولكن أيضا اجتماعيًا وإنسانيا وتعليميا وثقافيا ورياضيا، والإسراع بإنقاذ جيل جديد يقطن تلك المناطق من مختلف الأمراض الاجتماعية، وأن تتضافر جهودهم مع الحكومة لرعاية سكان العشوائيات. وأكد العلماء أن إسهام رجلا الأعمال فى تلك المبادرة بات واجباً شرعياً ووطنياً فى حق مصر الآن حتى ننقذ الأجيال القادمة، ولا نتركهم فريسة تتجاذبهم تيارات فكرية متشددة، لأن هؤلاء الشباب هم عدة المستقبل، وقوة الأمة. فضيلة التراحم وحول منهج الإسلام فى رعاية المحتاجين ودعم الفقراء أوضح الدكتور سعيد عامر، أن الإسلام وضع منهجا متكاملا لحياة البشر يضمن لمن التزم به سعادة الدنيا الآخرة وهذا المنهج لا يقتصر على مجرد العقيدة والهداية الروحية فهو ينظم للناس أمور دينهم ودنياهم ويبين حقوق كل فرد وواجبه نحو المجتمع، وأن المال أداة ايجابية فى خدمة البشرية ليقدم الحل الأمثل لعلاج المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتوفير ضروريات الحياة بأنواعها المختلفة وهذا لن يكون إلا بتعامل الناس مع بعضهم البعض بالتكافل والتراحم فيما بينهم ومن ثم رغب المولى عز وجل فى الإنفاق فى سبيل الله ومنها الإنفاق على المستضعفين والمحتاجين. وطالب بتضافر الجهود للقضاء على مشكلة العشوائيات والفقر رحمة بالناس فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. ويقول الشيخ محمد زكى أمين، عام مجمع البحوث الإسلامية، إن المجتمع الإيمانى مجتمع متكافل ومترابط ومتعاون كما ذكر الله عز وجل، ليس بينهم يائس لا يجد ثمن العلاج ولا بائس يبحث عن الطعام، بل هو كما ذكر الله مجتمع نظيف كريم سخى جواد، يحب الفضيلة وينأى عن الرذيلة، قال تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ.يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وهذا المجتمع المتراحم المتعاون الموصوف بهذه الصفات السامية مؤهل لرحمة الله، فإذا خلت هذه المعانى من أى مجتمع فهذا دليل على ضعف الإيمان لأنه لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، بل إن المؤمن حقاً يؤثر أخاه على نفسه، ويفضله (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ولا عدو للإنسان مثل الشح والبخل، لأنهما يورثان فى المجتمع العداوة والبغضاء والحقد والحسد، ويدعو للتقاتل والتنازع ويقول تعالي: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). وطالب رجال الأعمال والأثرياء وأصحاب الدخول اليسيرة كل فى مجاله، أن يتراحموا فيما بينهم، وأن ينفسوا عن إخوانهم الضعفاء والفقراء واليتامى والمساكين والمحتاجين، فأحب الخلق عند الله أنفعهم لعياله، لأن الخلق عيال الله، ومن نفث عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفث الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه فى الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله فى الدنيا والآخرة)، والله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه. وأوضح الشيخ محمد زكي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الإسلام رغب فى الإنفاق فى سبيل الله، وضاعف ثوابه عند الله، عز وجل، قال تعالي: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة261). وقد جعل الله تعالى ما ينفقه المؤمن من ماله فى سبيل الله تطهيرًا وتزكية للنفس والمال معا، فقال تعالي: » خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » التوبة:103. مشاكل العشوائيات من جانبه يقول الدكتور حسن خليل، الباحث الشرعى بمشيخة الأزهر الشريف، إن مشكلة العشوائيات التى يعانى منها المجتمع تتطلب مزيدا من الجهد، لكل فئات المجتمع، وتوحيد الجهود، لتحقيق التطوير الكامل لهذه المناطق، برعاية سكانها اجتماعياً واقتصادياً وإنسانياً، وهذه هى روح الإسلام السامية التى تحث أبناء المجتمع الواحد على التعاون والتكافل فيما بينهم، ويخاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم، قائلاً: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) فإن هذه الصدقات إذا أخذت من الأغنياء وردت على الفقراء كانت نفعا للفقير والغنى معا فيحث الغنى بمن هو دونه فيرعاه ويكفله، ولا يحقد وقتها الفقير على الغني، فيجنى الغنى ثمرة صدقته على الفقير حباً وكرامة وتقديراً ومرضاة لله عز وجل، عندها يتحقق الأمن الاجتماعي، الذى ننشده جميعاً، وصدق النبى إذ قال: (لايؤمن من بات شبعان وجاره طاو إلى جنبه) من هنا كانت توجيهات الإسلام برعاية الفقراء صحياً واقتصادياً واجتماعياً بما يتلاءم مع أدميتهم. كما أن هذا يعد إنقاذا لجيل جديد يقطن تلك العشوائيات من مختلف الأمراض الاجتماعية والإسلام بتشريعاته العظيمة فى المجال الاجتماعى ينزع الغل من الصدور، ويشعر الجميع أنهم متساوون فى الحقوق والواجبات، فيحترم الفقير الغني، ويعطف الغنى على الفقير، وهذا يصب فى مصلحة الاثنين على السواء، فيجنى الغنى ثمرة صدقته على الفقير حبا وكرامة وتقديرا منه، ومرضاة لله، عزل وجل، وتحقيقًا للأمن الاجتماعى للجميع، كما يشعر الفقير بآدميته وإنسانيته ورعاية المجتمع له، فيزداد ولاءً لوطنه وحبا له، وعملًا على رقيه، وحرصا على أمنه واستقراره وهذا ما كان يحرص عليه سلفنا الصالح، رضى الله عنهم، يؤثرون لا يستأثرون، يعملون لآخرتهم قبل دنياهم. من جانبه أكد الدكتور عبدالمنعم صبحى أبو شعيشع، وكيل كلية أصول الدين بطنطا، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، نفى الإيمان عمن يرى المحتاج ولا يسد حاجته، أو يرى الجائع ولا يردّ جوعته، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضى الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »مَا يُؤْمِنُ مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ طَاوٍ إِلَى جَنْبِهِ«. وأوضح أنه كى تقوى المجتمعات وتتآلف وتنصهر فى بوتقة واحدة كالجسد الواحد كانت تعليمات الإسلام وتوجيهاته برعاية الفقير صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا بما يتلاءم وآدميته، فاعتبر الإسلام رعاية الفقير فريضة على كل مسلم فى حدود طاقاته، يلتزم بأدائها من باب فروض الكفايات، ومن هذه التوجيهات الرشيدة، ما رواه أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، رضى الله عنه، قَال بَيْنَمَا نَحْنُ فِى سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: »مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ«.