لقد أرسل الله عز وجل نبينا محمدا( صلي الله عليه وسلم) رحمة للعالمين فقال: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين( الأنبياء107). وزكي ربه لسانه فقال: وما ينطق عن الهوي, وزكي فؤاده فقال:ما كذب الفؤاد ما رأي, وزكي بصره, فقال: ما زاغ البصر وما طغي وزكي عقله فقال: ما ضل صاحبكم وما غوي وزكي معلمه فقال:علمه شديد القوي, وزكي خلقه فقال: وإنك لعلي خلق عظيم, وزكاه كله فقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا. وقد كان خلقه( صلي الله عليه وسلم) القرآن, فقد كانت حياته( صلي الله عليه وسلم) وحركاته وسكناته تطبيقا عمليا لأحكام القرآن الكريم وتعاليمه, إذ كان( صلي الله عليه وسلم) يعطي من حرمه, ويصل من قطعه, ويعفو عمن ظلمه, ويحسن إلي من أساء إليه, وقد تجلي ذلك في مواقف عديدة منها: ما كان منه تجاه أهل مكة يوم الفتح, وقد تحمل منهم من الأذي ما تحمل, فلما أتم الله عليه النعمة وأيده بنصر من عنده, ودخل مكة فاتحا منتصرا, خاطبهم بقولته الشهيرة: يا أهل مكة ما تظنون أني فاعل بكم, قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم, فقال( صلي الله عليه وسلم): اذهبوا فأنتم الطلقاء. ولما خرج( صلي الله عليه وسلم) بدعوته إلي الطائف رجاء أن يجد فيها من يؤمن به أو حتي يستمع إلي دعوته سلطوا عليه عبيدهم وصبيانهم يرمونه( صلي الله عليه وسلم) بالحجارة حتي سال الدم من قدميه الشريفتين, فتوجه إلي ربه عز وجل بكلماته المشهورة بدعائه واستغاثته: اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي, وقلة حيلتي وهواني علي الناس, اللهم أنت ربي ورب المستضعفين إلي من تكلني, إلي غريب يتجهمني أم إلي عدو ملكته أمري, اللهم إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي, ولكن عافيتك أوسع لي, وهنا نزل عليه جبريل عليه السلام يقول: يا محمد لو شئت لأطبقنا عليهم الجبلين أو أسقطنا عليهم السماء كسفا, فقال صلي الله عليه وسلم: لا يا أخي يا جبريل, ولكن أقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون, فقال جبريل( عليه السلام): صدق من سماك الرءوف الرحيم. ومن مظاهر رحمته ما كان منه عليه الصلاة والسلام حين قرأ قول الله تعالي علي لسان عيسي عليه السلام: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم( المائدة118) وقوله تعالي علي لسان إبراهيم عليه السلام: فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم( إبراهيم36) فخر( صلي الله عليه وسلم) ساجدا وبكي, فأرسل الله عز وجل جبريل عليه السلام وهو سبحانه وتعالي أعلم بحال نبيه فقال: يا جبريل اذهب إلي محمد( صلي الله عليه وسلم) وقل له: السلام يقرئك السلام, ويقول لك: ما يبكيك يا محمد؟ فقال:( صلي الله عليه وسلم): يا رب أمتي أمتي, فعاد جبريل إلي ربه فأخبره بما كان وهو سبحانه وتعالي أعلم بحال نبيه( صلي الله عليه وسلم), فقال المولي عز وجل لجبريل عليه السلام: اذهب إلي محمد فقل له يا محمد: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك. فما أحوجنا أن نتأسي بسيد الخلق محمد( صلي الله عليه وسلم), ونعمل علي نبذ كل مظاهر العنف والتشدد من حياتنا. وأهل العلم جميعا علي أن الفقه هو التيسير بدليل, ولم يقل أحد من أهل العلم والفقه ممن يعتد برأيه في القديم أو في الحديث إن الفقه هو التشدد لا بدليل ولا بغير دليل, ويقول الحق سبحانه مخاطبا نبينا( صلي الله عليه وسلم): فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك( آل عمران159). فإن كنا نحب رسول الله( صلي الله عليه وسلم) حقا وصدقا, فعلينا باتباع كتاب الله( عز وجل), واتباع سنته( صلي الله عليه وسلم), يقول الحق( سبحانه وتعالي) علي لسان الحبيب محمد( صلي الله عليه وسلم): قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم( ال عمران31), كما أن من يحب رسول الله( صلي الله عليه وسلم) لا يؤذيه, ولا يؤذي أمته, ولا يؤذي ذميا, فمن يؤذي أمته فقد آذاه, ومن آذي ذميا فقد آذاه. يقول( صلي الله عليه وسلم): من آذي ذميا فقد آذاني, فكيف بالمجرمين المخربين والمدمرين والمفجرين بلا وازع من دين أو ضمير؟. إن هؤلاء وأمثالهم لا علاقة لهم بالدين, ولا بالخلق القويم, ولا بالإنسانية السوية, ولا بالمنهج الرباني أو النبوي الذي دعينا للعمل به والاقتداء بهديه. لمزيد من مقالات د . محمد مختار جمعة