خلف بيتنا في القرية, أنشأ والدي حديقة صغيرة أحببتها كثيرا.. قضيت بها أوقاتا سعيدة, أقرأ وألعب مع أخوتي وأصدقائي. وكان يشرف عليها فلاح يعمل في نفس الوقت خفيرا يحرس البيت أثناء غيبتنا عنه. وكانت هناك شجرة ورد في حديقتنا أحبها ذلك الفلاح أكثر من أي نبات سبق أن زرعه.. كانت ورودها حمراء رائعة الجمال عطرة الرائحة. ولشدة ارتباطي بحديقتنا, كثيرا ما كنت أتحدث عنها مع أصدقائي عندما انتقلت للإقامة في المدينة, وهو ما أثار حب استطلاعهم لزيارتها. ذهبت ذات يوم مع صديق وزوجته لقضاء عدة ساعات بها. بعد أن تناولنا غداء شهيا من الفطير المشلتت والقشدة وعسل النحل, قال الصديق وهو يدير عينيه متأملا ما حوله: أفهم الآن سر ارتباطك بقريتك.. الهدوء والمكان الفسيح والتمتع ببساطة الحياة, والاتصال المباشر بالطبيعة بغير عمارات تحجب عنك رؤية السماء أو تقف سدا أمام نسمات الهواء.. لكني أري أنه لا جديد في شكل الورد الذي حدثتنا عنه كثيرا, وإن كانت رائحته مميزة حقا.. إنه أطيب عبير يمكن أن يتمتع به إنسان.. اعترضت الزوجة ضاحكة: علي العكس يا عزيزي... الرائحة التي تتحدث عنها تكاد تكون غير موجودة, أما الشكل والألوان فممتازة غير مألوفة.. ما أروع هذه الورود التي تتألق بلونها الأحمر.. إنها آية في الجمال والبهاء. ظهرت الدهشة علي وجهي وعلي ملامح عمنا الفلاح عندما سمعنا هذه الآراء المتعارضة, لكننا كتمنا دهشتنا- واستنكارنا أيضا!- حرصا علي مشاعر الضيفين. أثناء طريق العودة حاول الزوج أن يقرأ شيئا, فلم يستطع, وهنا اكتشفت أنه نسي نظارته!! أما الزوجة فقد اشتكت من الإجهاد لأنها مصابة بالبرد, وسرعان ما عرفت أنها تكاد لا تشم شيئا بسبب ما أصابها!! وانكشف أمامي سرهما! قلت لنفسي: لهذا لا يتفق الناس علي شيء في الحياة.. منهم من فقد البصر فلا يري, ومنهم من فقد حاسة الشم فعجز عن التقاط روائح العطر!!