تلك هي سنة الحياة; أن يفني جيل لكي يواصل جيل آخر المشوار, وهذا بالضبط ما ينطبق علي عام2013 الذي أبي أن يفارقنا قبل أن يرحل معه عدد كبير من أعظم نجوم الفن والمسرح تحديدا- رحمهم الله جميعا فقد رحل الفنانان وحيد سيف ونبيل الهجرسي في أول شهور العام. تلاهما الفنان شعبان حسين في شهر مايو وهو رفيق درب محمد صبحي المسرحي, ثم المخرج حسن عبدالسلام الملقب بيوسف شاهين المسرح وصاحب أروع المسرحيات مثل سيدتي الجميلة, جوليو ورومييت, المتزوجون وطبيخ الملائكة, وغيرها من الأعمال التي تعلم منها شباب المسرح الكثير فتسلموا راية الفن من هؤلاء العظماء ليقودوا ثورة فنية حقيقية ضد جمود الفكر والطغيان الذي عاشته مصر خلال حكم الإخوان, ولينتصر في النهاية المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية لحرية الفن حينما منح قبل أيام وسام العلوم والفنون لعدد من الرموز ومنهم محفوظ عبدالرحمن, محسنة توفيق, د. نهاد صليحة. وما أن انقضي منتصف العام حتي فوجئنا برحيل السيناريست والناقد رفيق الصبان, ثم المخرج احمد عبدالحليم مكتشف النجوم العرب قبل المصريين, والمخرج هناء عبدالفتاح فارس التجريب المسرحي وصاحب تجربة المسرح للفلاحين من خلال فرقة دنشواي التي أنشأها في شبابه, ثم وفاة المخرج أحمد زكي صاحب أهم الدراسات في حرفية التمثيل ومخرج العديد من روائع المسرح العربي والغربي, وأخيرا رحل عن عالمنا قبل أيام الفنان جمال اسماعيل صاحب أشهر شخصية مسرحية حسب الله بعضشي في مسرحية سيدتي الجميلةعام1969, ثم زهرة العلا تلميذة يوسف وهبي وإحدي عضوات فرقته المسرحية قبل توجهها للسينما. علي مستوي الحصاد الفني فقد بدأ العام برفض عروض مصر في مهرجان المسرح العربي الذي كان مقاما في الدوحة بحجة أنها دون المستوي, وهو ما سبب صدمة في الوسط المسرحي ولكن يشاء القدر أن يحمل الشباب انفسهم راية العودة من جديد للمحافل الدولية بعد أن تم اختيار عرض حلم بلاستيك لتمثيل مصر في مهرجان الشارقة المسرحي وقبل أن ينقضي نفس العام, وهو العرض الذي يخرجه شادي الدالي وبطولة عدد من شباب كلية الفنون الجميلة وتبناه مسرح الطليعة بعد تولي فتوح أحمد رئاسة البيت الفني للمسرح فحقق مردودا ماديا وأدبيا وفنيا شديد الإيجابية. وما بين الكبوة والتألق يمكن تقسيم عام2013 إلي نصفين, الأول قاد فيه فنانو المسرح ثورة حقيقية ضد محاولات الإخوان للسيطرة علي توجهات وافكار الأعمال المقدمة وتقليل ميزانيات انتاج العروض شيئا فشيئا سعيا لإغلاق المسارح باعتبارها منارة الفكر والثقافة في أي وطن, ورغم هذا شاهدنا صدامات عديدة ومحاولات مستميتة من شباب الفنانين لمحاربة هذا الفكر المتجمد والسلطوي فاستمتعنا بعروض من قبيل ليل الجنوب لناصر عبدالمنعم وشاذلي فرح التي تناولت قهر المرأة الصعيدية, في بيتنا شبح لعصام السيد ولينين الرملي والتي حاربت كل محاولات ترهيب الشعب من شبح لا وجود له, وكذلك المحروس والمحروسة لشادي سرور وأبوالعلا السلاموني, والتي روت قصة مواجهة شجرة الدر لطغيان الخليفة المستعصم لها باعتبارها امرأة, وتألق أحمد راتب في دور الخليفة من خلال استلهامه لبعض أفعال وتصرفات الرئيس المعزول محمد مرسي, ثم عاشقين ترابك لمحمد الشرقاوي والتي حققت نجاحا باهرا بعد إصرار مخرجها علي عدم حذف أي مشاهد تنقد سياسات الإخوان, ثم الأبرياء لأحمد إبراهيم, وسلقط في ملقط لإميل شوقي, وحتي علي مستوي المسرح الجامعي فاجأنا خالد جلال برؤية عصرية لمسرحية روميو وجولييت بطلبة الجامعة وتناول فيها فكرة الانتباه لعدم الانقسام والفرقة بين أبناء الوطن أمام كل محاولات التفريق والانقسام التي قادها الإخوان, والطريف أنه حتي علي مستوي مسرح الطفل طرق المخرج باسم قناوي باب غرس قيم التفكير والاعتماد علي الذات في الأبناء وعدم انسياقهم وراء كلمات وافكار مجهولة وذلك من خلال مسرحيته بدر البدور والبير المسحور, كما شهد النصف الأول من العام تحديا جديدا حينما قرر المخرج جلال الشرقاوي العودة بمسرحية الكوتش لتصبح المحاولة الوحيدة والجريئة لمسرح القطاع الخاص في ظل حكم الإخوان وسارت تيمة المسرحية أيضا في نفس اتجاه المقاومة, ناهيك عن الأزمات التي واجهها المسرحيون خلال المهرجان القومي للمسرح في عهد ماهر سليم بسبب محاولات منع دخول بعض الفنانين لحفل الافتتاح بسبب اعتراضهم علي اقامة المهرجان لتجاوزات فنية وقانونية, ومن بين كل هذه المعوقات فاز عرض1980 وانت طالع لمحمد جبر بجائزة افضل عرض ومخرجه بجائزة أفضل مخرج صاعد وهو أحد عروض الفرق المستقلة لطلبة جامعة عين شمس, بالإضافة لفوز ايمان إمام بجائزة أفضل ممثلة للمرة الثالثة عن دورها في عرض تحت التهديد, ثم أبهرنا مصمم الديكور حازم شبل بقبول المعهد الدولي للمسرح لمصر عضوا من جديد بعد تجميد عضويتها لسنوات بسبب مرض رئيسها السابق المخرج أحمد زكي, واعتماد الناقدة نهاد صليحة رئيسا للمركز المصري. أما النصف الثاني من العام والذي أعقب ثورة الثلاثين من يونيو فقد شهد بدء صفحة جديدة بكثير من التفاؤل والأمل خلال المؤتمر القومي للمسرح الذي تزامن مع تعيين فتوح أحمد رئيسا للبيت الفني للمسرح, وطرح مشروع كارنيه المسرح المصري لكل مصري بحيث يتيح لأي مواطن دخول مسرح الدولة طوال العام وبأي عدد من المرات بخمسين جنيها فقط, وهو ما بدأ تنفيذه هذه الأيام بالفعل بعد مفاوضات مضنية مع وزارة المالية بسبب طريقة تحصيل الضرائب, كما تم الدفع ببعض الشباب لبعض المناصب القيادية مثل المخرج أحمد رجب لمسرح الميدان المقام حديثا في ساحة الأوبرا, والمخرج أحمد السيد لمسرح ملك والذي مازال يواجه عقبات لا حصر لها تمنع افتتاحه حتي الآن بسبب الروتين الحكومي, وهو ما بدا وكأنه محاولات لاختبار هؤلاء الشباب بوضعهم أمام إرث ثقيل عبث البيروقراطية, في حين ظهرت عروض مبشرة للغاية مثل عن العشاق لهاني عفيفي, وهي محاولة لتصحيح المفاهيم التي اختلطت في عهد الاخوان من تحريم لكل ما هو جميل وإنساني, فناقش فيها رأي الفقية ابن حزم الأندلسي في أهمية الحب وضروراته ونصائحه للعشاق, ثم عرض كوميديا الأحزان, لإبراهيم الحسيني, وعطيليانو لرضا حسنين وماكبت لأشرف سند. كما تكللت جهود الفنانين في نصف العام الثاني بالنجاح بعد إعلان جوائز الدولة والتي فاز فيها الكاتب القدير محفوظ عبدالرحمن بجائزة النيل والمخرج البديع عصام السيد بجائزة الدولة التقديرية, ثم المخرج الشاب مازن الغرباوي والمؤلف محمود جمال بجائزة الدولة التشجيعية للمواطنة والإبداع الفني عن عرضهما هنكتب دستور جديد والذي حولا فيه مواد الدستور الجوفاء إلي لوحات درامية من لحم ودم, وهو ما تسبب في إعادة العرض من جديد ومشاهدة أكبر قدر من الجمهور له, واستمرارا لمسيرة النجاح فقد رحب عدد من النجوم بالعودة مرة أخري لخشبة المسرح حيث يجري أحمد بدير ورانيا فريد حاليا بروفات مسرحية الشعب لما يفلسع مع شادي سرور ومحمود الطوخي, في حين يبدأ خالد جلال بروفات مسرحيته المواطن مهري لوليد يوسف مع سامح حسن وأيتن عامر, بالإضافة لعرض اللي بني مصر التي افتتحت قبل ايام لمحمود الجندي إخراج إسلام إمام وتأليف الراحل د. محسن مصيلحي.