يهتم العلماء وخاصة علماء الفلك بمسألة نشأة الكون وماهو مصيره. من أفضل النظريات الخاصة بنشأة الكون وأكثرها قبولا هي نظرية' الانفجار العظيم'. حسب هذه الظرية فان الكون قد نشأ قبل حوالي7,13 مليار سنة في حالة شديدة الحرارة والكثافة, أي أن الكون بكل ما فيه من مادة وطاقة انبثق من حالة بدائية متفردة. نشأت هذه النظرية نتيجة لملاحظات الفريد هابل ورصده تباعد المجرات عن بعضها البعض, مستخدما سطوع النجوم الذي يتعلق بتألقها وبعدها عنا, مما يعني أنه عندما نأخذ بعين الاعتبار المبدأ الكوني الذي يقضي بأن الفضاء الكوني يتمدد وفق نموذج فريدمان للنسبية العامة وبحساب سرعة التمدد, تم حساب الزمن الذي احتاجه الكون حتي وصل إلي الحجم الراهن, وهو نحو14 مليار سنة تقريبا. ثمة أمر آخر يمكن تحديده بالنسبة للنجوم وهو طيف الضوء الصادر عن النجم, اذ أنه عند تسخين أي جسم غير شفاف فانه يصدر ضوءا مميزا يتعلق طيفه بدرجة حرارة هذا الجسم فقط. إضافة لذلك نلاحظ أن بعض الألوان الخاصة قد تختفي من نجم لآخر حسب العناصر المكونة لهذا النجم. عند دراسة الأطياف الضوئية للمجرات المحيطة بمجرتنا( درب التبانة), لوحظ اختفاء بعض الألوان المتوقعة في الطيف وظهورها منزاحة نحو الطرف الأحمراللون من الطيف, الأمر الذي يذكرنا بظاهرة دوبلر, التي تقضي بأنه اذا كان المنبع الضوئي يبتعد عنا, فان ترددات الموجات المستقبلة ستكون أقل, أي أن خطوط الطيف ستنزاح نحو الأحمر, أما إذا كان المنبع يقترب منا فسوف تنزاح الموجات الضوئية المستقبلة نحو اللون الأزرق. بحسب التصور البدائي كان المعتقد أن المجرات تتحرك عشوائيا وبالتالي كان التوقع أن عدد الانزياحات نحو الأحمر سيساوي الانزياحات نحو الأزرق وستكون المحصلة صفرا. لكن رصد هابل وجدولة أبعاد المجرات وأطيافها بين أن جميع المجرات تسجل انزياحا نحو الأحمر أي أن جميع المجرات تبتعد عنا. أكثر من ذلك فإن مقدار الانزياح نحو الأحمر( الذي يعبر هنا عن سرعة المنبع الضوئي أي المجرة) يتناسب طرديا مع بعد المجرة عن الأرض. أي أن سرعة ابتعاد المجرات عن الأرض تتناسب مع بعدها عن الأرض. إن العالم ليس ساكنا كما كان الاعتقاد سائدا وإنما آخذ في الاتساع. كانت تلك مفاجأة أذهلت الكثير من العلماء. رغم أن ظاهرة الجذب العام في الكون كانت كافية لتدلنا أن الكون لا يمكن أن يكون سكونيا بل يجب أن يتقلص تحت تأثير الجاذبية ما لم يكن أساسا متوسعا أو يملك قوة مضادة للجاذبية, فإن نيوتن لم يناقش هذه الحالة وحتي أينشتاين رفض فكرة كون غير سكوني حتي أنه أضاف ثابتا كونيا يعاكس الجاذبية ليحصل علي كون سكوني. الوحيد الذي قبل النسبية العامة كما هي وذهب بها إلي مداها كان ألكسندر فريدمان. وضع فريدمان ثلاثة نماذج تناقش حركية الكون وإمكانيات توسعه وتقلصه, ثم تحول فريدمان الي نموذج واحد يصف كونا يتوسع كالبالون بحيث أن جميع البقع علي سطح البالون تبتعد عن بعضها البعض. لا يوجد في هذا النموذج أي مركز للكون فلا يوجد أي شيء داخل البالون والكون لا يمثل أكثر من هذا السطح المتوسع. ان كون فريدمان يتوسع بمعدل بطيء بحيث يصل إلي مرحلة توازن ثم تبدأ الجاذبية بتقليصه ليعود إلي حالته البدئية المضغوطة. في عام1935 وضع الأمريكي روبرتسون والبريطاني وولكر نموذجين إضافيين انطلاقا من فرضيات فريدمان نفسها, في هذين النموذجين: يبدأ الكون بالتوسع من حالة كثيفة جدا بمعدل توسع عال جدا لدرجة أن الجاذبية لا يمكنها إيقاف هذا التوسع فيستمر التوسع إلي ما لا نهاية( استمرار زيادة المسافات بين المجرات), في الحالة الأخري يبدأ الكون بالتوسع بمعدل متوسط إلي أن يصل لمرحلة يتوازن بها التوسع مع التقلص الناتج عن الجاذبية فيصبح في حالة ثابته لا تتوسع ولا تتقلص( تصل المسافات بين المجرات إلي قيم ثابتة لا تتغير بعدها. في عام1964 كان بينزياس وويلسون يختبران كاشفا للأمواج السنتيمترية( موجات كهرومغناطيسية متناهية القصر), واجه العالمان مشكلة أن جهازهما كان يستقبل إشعاعات مشوشة أكثر مما ينبغي. كانت الإشعاعات المشوشة أشد عندما يكون الجهاز في وضع رأسي منها عندما تكون في وضع أفقي. أما فرق الشدة بين الوضع الرأسي وجميع الاتجاهات الأفقية فكان ثابتا. كان هذا يعني أن هذا الإشعاع يأتي من مصدر خارج الأرض, حيث أنه لا يتأثر بحالات الليل والنهار ولا اختلاف الفصول مما يعني أيضا أنه من خارج المجموعة الشمسية, وحتي خارج مجرتنا, وإلا فإن حركة الأرض تغير جهة الجهاز ومن المفروض ان تغير شدة الإشعاع المشوش. كان هذا الإشعاع غريبا في تماثله في جميع نقاط العالم المرصود فهو لا يتغير من جهة رصد لأخري ولا من نقطة لأخري. كان ديك وبيبلز من جهة أخري يدرسان اقتراح جامو,'Gamow' تلميذ فريدمان والذي يقول أن العالم بما أنه كان عبارة عن جسم ساخن وكثيف جدا ومشع في بداية أمره فإن إشعاعه لا بد أنه باق إلي الآن. كما أن توسع الكون لا بد أن ينزاح نحو اللون الأحمر( ظاهرة دوبلر) وأن يصبح علي شكل إشعاع سنتيمتري. عندئذ أدرك بنزياس وويلسون أن ما رصداه ما هو إلا بقايا إشعاع الكون البدئي الذي أطلق عليه لاحقا اسم: إشعاع الخلفية الكونية الميكروي, وهو أشعة كهرومغناطيسية توجد في جميع أركان الكون بنفس الشدة والتوزيع وهي تعادل درجة حرارة72,2 كلفن. هذا وقد حصل هذان العالمان علي جائزة نوبل للفيزياء عام.1978 يفسر نموذج الانفجارالعظيم تلك الاشعة. فعندما كان الكون صغيرا جدا وقبل تكون النجوم والمجرات كان شديد الحرارة جدا وكان يملؤه دخان ساخن جدا موزعا توزيعا متساويا في جميع أنحائه, ومكونات هذا الدخان كانت بلازما الهيدروجين, أي بروتونات وإلكترونات حرة من شدة الحرارة وعظم الطاقة التي تحملها. بدأ الكون في التمدد والاتساع فبدأت بالتالي درجة حرارة البلازما تنخفض, إلي الحد الذي تستطيع فيه البروتونات الاتحاد مع الإلكترونات مكونة ذرات الهيدروجين. عندئذ وبعد أن تكونت الذرات أصبح الكون شفافا وانتهت فترة عتامته. كانت الفوتونات( جسيمات الضوء) الموجودة تنتشر في جميع الأرجاء, إلا أن طاقتها بدأت تضعف حيث يملأ نفس عددالفوتونات الكون المتزايد الحجم وبسرعة شديدة. هذه الفوتونات هي التي تشكل اليوم إشعاع الخلفية الكوني متناهي الصغر. وأنخفضت درجة حرارتها عبر نحو7,13 مليار من السنين هي العمر المقدر فلكيا للكون إلي أن وصلت إلي درجة الحرارة الخلفية في الوقت الحالي في جميع أنحاء الكون. ثمة حقيقة بالغة الأهمية إذن وهي أنه مع كل هذا الجهود والدراسات فإن كل ما نعلمه في علوم الفلك يتعلق بحوالي16% فقط من مادة الكون ولا نعلم شيئا عما تبقي من مادة وهو مايسميه العلماء بالمادة المظلمة, ولكن هذه قصة أخري مثيرة. لمزيد من مقالات د.صبحى رجب