منذ سنوات و قبل ثورة25 يناير كانت المخاوف لا تتوقف من اندلاع ثورة للجياع في مصر تأكل الأخضر واليابس.. وقتها حذر الخبراء من انتشار الفقر وزيادة معدلات التضخم والبطالة بصورة غير مسبوقة نتيجة الأداء المرتبك لحكومات ما قبل الثورة. وبعد25 يناير دب الأمل في قلوب المصريين اعتقادا منهم بأن25 الثورة سوف تغير الأحوال في بر مصر وتخفض معدلات الفقر والتضخم والبطالة لكن الجميع استيقظوا من هذا الحلم علي الواقع الأليم, فالأوضاع تطورت من سيء الي أسوأ وارتفعت معدلات البطالة مصحوبة بارتفاع معدلات وأشكال الجريمة واستشري الفساد والتهبت الاسعار واغلقت مصانع وشركات وزادت معدلات الفقر وتراجعت السياحة, ثم جاء حكم الاخوان ولم يحقق شيئا طوال سنة كاملة كانت حافلة بالكوارث والأزمات. تحقيقات الأهرام طرحت السؤال علي عدد من الخبراء ورجال الأعمال: هل مصر مهددة فعلا باندلاع ثورة جياع ؟! في البداية يؤكد الدكتور رشاد عبده رئيس المنتدي المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية أنه رغم عدم حصول العمال علي حقوقهم كاملة في عهد الرئيس جمال عبد الناصر مقارنة بما حصلوا عليه اليوم لكن انتاجهم في تلك الفترة كان يفوق انتاجهم في الوقت الحالي فالعمال الآن يريدون حقوقهم كاملة دون تقديم واجباتهم نحو المجتمع وهو الانتاج. عهد عبد الناصر كما يقول الدكتور رشاد كان يتميز بقوة القانون وهيبة الدولة الي جانب تبني فكرة الإحلال محل الواردات اي تصنيع كل ما نستورده وشعور العمال انهم اصحاب المصانع وليسوا عمالا فيها أما الآن حصلوا علي امتيازات كثيرة اكثر دون تقديم ما يقابلها من انتاج. كما ان ضعف الدولة حاليا وتعثر الكثير من المصانع واستمرار الاضرابات العمالية وبعضها بلا مبرر غير الضغط علي صاحب العمل لزيادة الرواتب كل هذا يدفع صاحب العمل للتعثر ويضطر الي تسريح جانب من العمالة او يشهر افلاسه ويغلق المصنع مما يزيد نسبة البطالة. ويضيف الدكتور عبده ان ثورة الجياع لن تحدث علي المدي القريب في مصر لان الحكومة الحالية عندما حصلت علي9 مليارات دولار من الدول العربية والتي هي عبارة عن6 مليارات دولار ودائع و3 مليارات دولار منح لا ترد أدت الي تعلية الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة فاصبحت نسبيا في امان, بمعني اننا عندما نستورد القمح سنجد عملة صعبة نستطيع الاستيراد بها ولكن من الناحية الاقتصادية هذا خطأ كبير وقعت فيه الحكومة لأن6 مليارات ودائع ليست ملك مصر وانما ستطالبنا بها الدول المودعة حين انتهاء الوقت المحدد للوديعة ولكن يعتقد الدكتور رشاد ان الحكومة أرادت حل المشكلة علي المدي القريب, ولم تفكر علي المدي البعيد ماذا سيحدث, وعملت بالمثل الشعبي بكرة يحلها ألف حلالمؤكدا ان البنك الدولي يقر بان اي دولة تكون في امان نسبي إذا استطاعت تأمين شعبها من الغذاء ل3 شهور قادمة ونحن في امان نسبي لاننا نحتاج الي13 مليار دولار لتأميننا الي3 شهور قادمة وحاليا هذا الغطاء موجود. ويشير عبده إلي انه لا توجد دولة يقوم اقتصادها علي المساعدات والمنح, متسائلا: فماذا ان حدثت خلافات بيننا وبين الدول المانحة. هذه معضلة وعلينا ان ندرك اننا علي المدي القصير سوف تكون لدينا عملة صعبة لشراء الاحتياجات الاساسية للمواطنين وعلي رأسها القمح ولكن عندما يقل الاحتياطي النقدي الأجنبي هنا ستحدث المشكلة. ويوضح أن الحكومة حاولت تحقيق فكرة العدالة الاجتماعية من خلال تطبيق الحد الأدني للاجور والتي لم تتحقق ولم يشعر المواطن بالزيادة في ظل التضخم والذي وصل الي11.5% في حين انه في امريكا1% والصين2.3% واكبر دولة عربية يوجد بها تضخم هي الكويت حيث بلغ2.6%, فلكي تتحقق العدالة الاجتماعية لابد من خفض هذا التضخم في الاسعار من خلال ايجاد سوق منافسة تعرض كما يحدث في بعض الدول يعرض من خلالها المنتجون منتجاتهم باقل الاسعار اما السوق المصرية فتسمي باحتكار القلة وهذا ما نريد التخلص منه. والمطلوب الآن ان تقوم الحكومة بتشجيع وجذب الاستثمارات كبدائل لاخذ المعونات من الاماراتوالكويت والسعودية فهذه الدول مشكورة تحاول مساعدتنا ولكن جانب من هذه المساعدة هو ضمان عدم عودة الاخوان مرة اخري الي سدة الحكم مناشدا الحكومة بالعمل علي جذب الاستثمارات بايجاد مناخ استثماري ايجابي والقضاء علي البيروقراطية من خلال حزمة من القوانين والتشريعات والتي بدورها ستوجد فرص عمل تقضي علي مشكلة البطالة بالاضافة الي ضخ انتاج في الاسواق يوازي بين العرض والطلب وعمل حوار مع العمال لمضاعفة الانتاج والتصدير وهذا لم يحدث إلا بعودة الاستقرار الأمني والعمل علي تنشيط السياحة مرة اخري. ويختتم عبده كلامه بضرورة تطوير المناطق العشوائية والاستفادة من الطاقات البشرية الموجودة بها لان هذه المناطق مؤشر خطير جدا للفقر والبطالة وان حدثت ثورة جياع فستحدث الشرارة من هذه المناطق الموقوتة. اما الدكتور محمد عبد البديع نائب رئيس مجلس الدولة والخبير الاقتصادي فيري ان لدينا مشكلة كبيرة خاصة في الطبقات الفقيرة واطفال الشوارع لديهم نقص شديد في التغذية تصاحبه امراض فنقص المستورد الغذائي الي جانب قلة الانتاج المحلي ونقص الرقعة الزراعية وارتفاع الاسعار المتتالي من الممكن ان يؤدي الي ثورة جياع حتمية ولكن ليس في الوقت الحالي فان استمرت البلد علي هذا الحال فسنصبح مثل سوريا و في اعتقادي ان سوريا علي وشك ثورة جياع فالحروب الأهلية واستخدام سياسة التجويع للبعض هناك بالاضافة الي ان هناك اماكن في سوريا لم تحصل علي كميات كافية من الغذاء مما ينذر بحدوث ثورة جياع قريبة واخشي ان تصل مصر الي هذه المرحلة مضيفا اننا لدينا اسر تعيش علي وجبة واحدة في اليوم وآخرون يأكلون من القمامة وهذا مؤشر خطير مطالبا الحكومة بدارسة أحوال هؤلاء واطفال الشوارع والعشوائيات المنتشرة ووصول الدعم الي هذه المناطق ومعالجة هؤلاء من النقص الغذائي الشديد. وفي نفس السياق يطمئننا عبد البديع بعدم حدوث ثورة جياع في المستقبل القريب لانه يري ان الحكومة لن تسمح بوصول مصر الي هذه الدرجة علي الاقل علي المدي القريب وستعمل علي زيادة استيراد الاحتياجات الاساسية حتي تحافظ علي سمعة مصر في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها اما الدكتور سلطان ابو علي وزير الاقتصاد الاسبق فيوضح انه في ضوء الثورة الحالية والتحول الديمقراطي الذي يحدث في مصر والذي سيستغرق وقتا طويلا يذكرني عندما انهار الاتحاد السوفيتي عام1990 وحدثت مجاعة واصبح الكثير بلا ماوي ودخلوا في حالة فقر شديد وكانت هذه الدولة ثاني اكبر الدول العظمي في العالم ومع ذلك تفككت فمابالنا نحن في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة. ويري أبو علي لكيلا تحدث مجاعة في مصر لابد من عودة الأمن مع هدوء نسبي للصراع السياسي الدائر والذي من المفترض ان يتم بطريقة ديمقراطية وايضا نحتاج الي ترسيخ ثقافة تقبل الآخر الي جانب ان الحكومة لها دور كبير في هذا الصدد من خلال الاستعانة بخبراء الاقتصاد لتقديم برامج اقتصادية شاملة تعمل علي اقامة وتعافي الاقتصاد المصري بشكل يحقق العدالة الاجتماعية من خلال تشجيع القطاع الخاص واستمراره من خلال زيادة الانتاج والاستثمار هذا الي جانب تحفيز البنك المركزي الجهاز المصرفي لتحسين الاستثمار والمساهمة في مشروعات استثمارية كاملة. ويؤكد يجب علي الحكومة ان تشعر المواطن بالتحسن في مستوي المعيشة والخدمات فهناك ظلم اجتماعي يحدث للمواطنين يجب التخلص منه بتحقيق العدالة الاجتماعية فمصر بها امكانات كثيرة ممكن استغلالها لتوفير الاحتياجات الاساسية للمواطنين هذا الي جانب دور الجمعيات الاهلية والمجتمع المدني في تطبيق التكافل الاجتماعي كتقديم المعونات للأسر الفقيرة وموائد الرحمن يجب انتشارها طوال العام وليس في رمضان فقط لتوفير الوجبات الرئيسية للفقراء والمحتاجين. ويوافقه الرأي الدكتور علي الغتيت عضو الجمعية الاقتصادية في فكرة التكافل الاجتماعي الغائبة في المجتمع, وهنا لا يقصد بفكرة التكافل مساعدة الفقير ماديا فقط وانما توفير فرصة عمل له تصون كرامته معتقدا ان الثورة القادمة تسمي الرافضين للمذلة وليست ثورة جياع. ويتساءل الغتيت لماذا لا يقوم رجال الاعمال الكبار الذين ليس لديهم مشاكل بحل مشاكل الشركات الصغيرة التي اعلنت افلاسها بسبب تعثرها مع البنوك والنهوض بها وتعاود هذه الشركات عملها ووقتها ستوجد فرص عمل كثيرة للشباب وستقل مشكلة البطالة مؤكدا ان الانسان الذي فقد عمله يفقد معه كرامته فهناك6000 مصنع مغلق يجب بحث مشاكلها ومعاودة عملها. وناشد رجال الاعمال الناجحين بدلا من التفكير في جني الارباح فقط عليهم ايضا مساعدة المتعثرين من صغار رجال الاعمال لانه عندما يعم الخير سيعم علي الجميع, فهذا جزء من المسئولية الاجتماعية الاخلاقية, فهم مدينون لهذا الوطن لانهم حققوا مليارات علي ارضه مضيفا ضرورة الاسراع في هذه الخطوة من خلال اجتماع عاجل لمجلس رجال الاعمال مع المركز القومي للبحوث الاجتماعية مع مجموعة من كبار اطباء النفس والاجتماع لدراسة المناخ النفسي للمواطن الذي فقد وظيفته او للخريج الذي لم يستطع الحصول علي عمل مناسب. ويرد المهندس فرج عامر رجل أعمال ورئيس جمعية مستثمري برج العرب علي تحمل مسئولية رجال الأعمال امام المجتمع لتراجع معدلات البطالة وعدم حدوث ثورة جياع قائلا ان رجال الأعمال ليسوا بعيدين عن المسئولية وانما لابد من توفير مناخ استثماري جيد لجذب الاستثمارات المحلية والاجنبية مع وجود تشريعات وقوانين ولوائح توجد التوازن بين العامل ورجل الاعمال وهذا دور الحكومة فالبلد بها اموال كثيرة ولكن كل شخص يملك اموالا لا يريد المجازفة بها في هذا التوقيت بسبب غياب الأمن مؤكدا اننا نريد الي جانب خريطة الطريق السياسية خريطة طريق اقتصادية لتنمية الاقتصاد مضيفا ان البلد تحتاج الي مشروعات تتيح فرص عمل لآلاف العمال لكن لابد من إيجاد المناخ المناسب حتي لا يهرب المستثمر فتجربة الصين والهند خير دليل علي ذلك, فالصين بالرغم من ان عدد سكانها تخطي المليار نسمة فلا يوجد بها عاطل واحد لان لديهم مناخ جيد للاستثمار. وأوضح عامر انه مع زيادة المرتبات ومن حق العامل ان يعيش حياة كريمة إلا ان كثرة الاضرابات التي تحدث للعمال مطالبين بزيادة رواتبهم في بعض الاحيان تكون غير منطقية لانهم يريدون زيادة دون انتاج مما يؤدي الي تعثر صاحب العمل ويغلق مصنعه ويفقد العامل وظيفته. واكد عامر ان رجال الاعمال الكبار يعانون ايضا في ظل هذه الظروف التي تمر بها البلد من عدم استقرار أمني وعدم توافر السيولة لدي البعض. وكشف عامر عن ان الحكومة ليس لديها مشروعات وكذلك القطاع الخاص, وهذا امر في غاية الخطورة فنحن نعتمد علي المعونات, ولذلك لابد من دفع عجلة الانتاج سريعا حتي لا تحدث ثورة الجياع.