إذا كنت ممن لايملكون المال لدخول المستشفيات الخاصة وكتبت عليك الأقدار اللجوء لأحد المستشفيات العامة المجانية ورماك حظك العثر لإجراء جراحة بداخلها فعليك أن تجهز أحد أو بعض أقاربك جيدا وتعطيه وجبة دسمة وبعض المشروبات. لأنك كي تجري جراحتك وتدخل جنتهم لابد أن يتبرع هذا القريب الشهم بكيس دماء وإلا فلتواجه مصيرك الذي لن يعلمه سوي الله. في أحد المستشفيات تقدم شاب في العقد الثالث من عمره لإجراء جراحة لطفلته البالغة من العمر أربع سنوات حيث فوجيء باحدي الممرضات تطالبه قبل تجهيز طفلته للعملية بالتبرع بكيس دماء حتي يسمحوا بدخول ابنته رغم أنه عندما حجز تلك الجراحة منذ عدة شهور لم يخبروه بهذا الشرط, علي الأقل كي يستعد هذا الأب كان قادما من إحدي المحافظات التي تبعد عن القاهرة أكثر من خمسمائة كيلو متر ولم يرحموا تعب السفرومشقته بالإضافة إلي أنه كان نحيفا للغاية ولايحتمل فقدان دمه فلم يرحموا ضعفه, صحيح أن الشاب تقدم للتبرع بشهامة المصريين, ولكن خوفه علي ابنته كان الوازع الأكبر لقبوله هذا الشرط لأنه لم يكن له الاختيار. في مستشفي آخر كانت هناك أم في حالة وضع سيئة تألمت لعدة ساعات حتي سمعت صراخ طفلتها الوليدة واعتقدت أنها عندما ستحتضن الصغيرة ستزول كل هذه الآلام والمعاناة التي واجهتها منذ دخولها المستشفي, ولكن عندما طلبت الأم الواهنة أن تلتقط طفلتها لتضمها بين أحضانها فوجئت بالطبيبة تمنعها بكل قسوة من هذا الطلب وتسألها أين والد الطفلة؟ فأخبرتها شقيقتها أن الولادة تمت بشكل مفاجيء ووالد الطفلة في عمله وقد اتصلنا به وهو في الطريق فكانت المفاجأة المذهلة والمريرة أن الطبيبة حرمت الأم من احتضان الرضيعة وتضع شرطا لتلبية هذا الطلب الإنساني المشروع والطبيعي وهو حضور الأب أولا للتبرع بكيس دماء وإذا تأخر وهذا طبيعي لأنه لايملك سيارة يأتي بها ولاحتي دراجة وسيستقل عدة مواصلات فعلي الوليدة أن تصبر علي الجوع وتحرم الأم من إطعام رضيعها أول قطرات الحنان!! كانت هذه الواقعة تمثل مأساة إنسانية بما تحمله الكلمة, فحملناها وذهبنا نستوضح الصورة عسي أن نجد ردا يشفي غليلنا ويخفف المرارة. الدكتورة عفاف أحمد علي مديرة مراكز خدمات الدم القومية تؤكد أن سياراتنا منتشرة في كل الميادين تدعو المواطن للتبرع بالدم ولكن للأسف نتعرض إما لعزوف المواطن أو لهجوم شديد بل وتتعرض السيارات المجهزة للإتلاف علي الرغم أننا لانجبر أحدا علي ذلك بل هو عمل تطوعي وبسبب هذه الثقافة السلبية لدي البعض فإننا نعاني نقصا شديدا في الدماء, ففي البلاد المتقدمة هناك متبرعون بشكل منتظم وبمواعيد محددة ويأتون تطوعا باعتباره واجبا وطنيا وخدمة مجتمعية لذلك لاتوجد لديهم مشكلة في هذا الأمر. أما نحن في مصر فنحتاج للدم الذي يذهب للحوادث والعمليات والأورام ومرض الفشل الكلوي فنحن نحتاجه بكمية كبيرة وإذا لم يتوافر فسيموت المريض, صحيح أن وضع التبرع من قبل ذوي المريض شرط لدخول المريض أمر غير جيد ولكننا مضطرون لذلك لعدم وجود طريقة أخري فلو أن المستشفيات كانت مطمئنة لوجود متبرعين دائمين لما قامت بهذا الشرط ولكن عموما هناك مرونة في تطبيقه فنحن أولا قبل قبول التبرع نطمئن علي صحة المتبرع ونسبة الهيموجلوبين بدمه وضغطه وغيرها من الأمور, بعدها نقوم يأخذ كيس الدماء وبعد ذلك نقوم بعمل اختبارات عليه لضمان خلوه من أي أمراض ثم نكتب بيانات كل كيس دماء بعدها يتم توزيعها علي المستشفيات الحكومية لأننا مسئولون عنها, والتي تستخدمها بدورها في عمليات العلاج علي نفقة الدولة, والتأمين الصحي والحوادث وهذا توفره الدولة, أما الأفراد العاديون فيشترونه بسعر90 جنيها للكيس. الدكتورة هناء عامر مساعدة وزير الصحة للدعم الفني والتطوير المؤسسي قالت.. إن شرط التبرع بالدم لايوجد سوي بالمستشفيات الجامعية فقط وذلك لأنه يوجد به بنك دم محدود جدا به عدد قليل من أكياس الدم وإن لم نجد متبرعين فلن نجد الدماء أما المستشفيات الحكومية فلديها بنك دم كبير خاص بها.. أما عن شرط إجبار ذوي المريض علي التبرع فتقول الدكتورة هناء إننا نضطر لهذا الشرط لأن المرافق لايفهم جيدا المشكلة التي يعانيها المستشفي الجامعي الذي يعتمد علي نفسه فقط في توفير تلك الخدمة كما أن هذا الأمر يشكل جانبا اجتماعيا وخدميا لابد أن يعرفه الجميع. فمستشفي الجامعة يقدم خدمة الدرجة الثالثة يعني أنه يقوم بإجراء كل الجراحات الكبري مثل القلب المفتوح وجراحة المخ والأعصاب والكبد وهذه الجراحات تحتاج لنقل كمية كبيرة من الدماء للمريض.. وهناك سياسة الإعفاء التي تطبق علي أي مريض ليس معه أحد من أقاربه يصلح للتبرع. أما التجاوزات وعمليات الاجبار علي التبرع فهي مزرية وغير مقبولة من بعض القلة غير المسئولة ولو أن الأمر وصل لمدير المستشفي فسيتخذ إجراء فوريا, فحقوق المريض لابد أن تراعي. الدكتور سامح عشماوي مدير معهد ناصر يؤكد أن الحوادث والعمليات الجراحية هي التي تحتاج فقط لنقل الدم وعموما أي مريض يدخل العمليات نكون قد جهزنا له مسبقا ما يحتاجه من نقل الدم وإذا كانت هناك حالة طواريء نلجأ لأحد الأقارب إذا كانت فصيلته متوافرة, وإن لم تكن متوافرة لدي أقاربه ولدينا في بنك الدم نعطيه مايريد, فالموضوع هنا ليس فيه أي إجبار وهذا طبعا مايخص معهد ناصر.