لم يستسلم للهيب الشمس صيفا, ولم ينهزم أمام ليالي الشتاء القارسة البرودة, ولكنه صرخ و رفع الراية البيضاء أمام سياسات وزارة الزراعة التي تخلت عنه وتركته تحت رحمة شركات القطاع الخاص تتلاعب بمقدراته وتنهب خيرات أرضه. مشكلة الفلاح ليست في التعامل مع سياسات وزارات الزراعة الفاشلة فقط, ولكنه مضطر للخضوع لفشل وزارات الري المتعاقبة, التي تقف عاجزة أمام انقطاع مياه الري واغلاق الترع و المصارف و التعدي علي المجاري المائية, بالاضافة للظروف الجوية الطارئة التي تدمر الزراعات, كل هذا في ظل غياب أي دور للاشراف الزراعي أو الجمعيات الزراعية, وتحت ضغط تجار السوق السوداء وديون بنك التنمية والائتمان الزراعي أبناء الارض في أزمة منذ عشرات السنين ولا أحد يرحمهم!. الجمعيات الزراعية تفرغت لبيع البطاطين الإسماعيلية: سيد إبراهيم: في الإسماعيلية يشير الحاج حسين الروض مزارع إلي أن الدورة الزراعية الشتوية بمحافظة الإسماعيلية تبدأ من أول شهر أكتوبر, والمحصولان الاساسيان في المحافظة هما المانجو والفراولة, وبالنسبة لمستلزمات الإنتاج من الأسمدة الزراعية التي توزع من خلال الجمعيات الزراعية فمن المفترض أن يكون هناك رصيد في هذه الجمعيات للموسم الشتوي, إلا أن الجمعيات الزراعية خاوية علي عروشها من الأسمدة, ويضيف أنه من المشكلات التي تعانيها الزراعة في الإسماعيلية أن 70% من أراضي المحافظة تتبع هيئة تعمير الصحاري, و30% منها أراضي تتبع الاملاك الأميرية, والقضية أن الجمعيات الزراعية تخدم في الأساس الاملاك الأميرية, بينما المواطن الذي له أراض تتبع تعمير الصحراوي يكون متسولا علي الجمعيات الزراعية, والتي ترفض صرف الاسمدة لاصحاب الاراضي التي تتبع هيئة تعمير الصحراوي, ويقول: أطالب من خلال جريدة الأهرام بإنشاء جمعيات زراعية تتبع هيئة تعمير الصحاري لصرف مستلزمات الانتاج لهذه الأراضي, ويضيف أنه من المشكلات الاخري أن الجمعيات الزراعية بها نوعان من الأسمدة الأولي الأسمدة المدعمة والثانية الاسمدة غير المدعمة, ويؤكد أن الحصص المدعمة المقرر صرفها علي الحيازة الزراعية لكي يتم الحصول عليها لابد من شراء كمية أخري غير مدعمة أي أن الفلاح من الناحية العملية يحصل علي جزء من حصته عنوة ورغما عنه, ويشير إلي أن ثالثة الاثافي أن07% من أراضي الإسماعيلية تروي بالتنقيط بسبب تربتها الرملية, ولكن في الجمعيات الزراعية يقومون بصرف نوع من الاسمدة غير قابل للذوبان في الماء, وهو ما لا يجدي مع الفلاح, ويضيف أنه من المفارقات الغريبة أن أراضي الإسماعيلية لا تحتاج, ولا تستخدم سماد اليوريا بل تستخدم سماد النترات في حين أن الحصة المقررة طوال العام 25% منها نترات و75% سماد اليوريا مما يدفع المزارع إلي بيع اليوريا واستبدالها بالنترات. ويؤكد أنه لا يوجد إشراف زراعي علي الاطلاق, وذلك لقلة خبرات المهندسين الزراعيين بالجمعيات والادارات الزراعية, مع أنه يفترض علي مديريات الزراعة علي سبيل المثال أن تشرف علي الأمراض التي تصيب محصول المانجو, خاصة البياض الدقيقي, والذي يتسبب في إهدار نحو 50% من محصول المانجو بمحافظة الإسماعيلية. وفي سياق متصل يؤكد ياسر دهشان مزارع أن الجمعيات الزراعية تم انشاؤها في الاساس لخدمات الفلاح مثل توافر خدمات الرش بالموتور, وتوافر الجرارات الزراعية لحرث الأرض بأسعار مدعمة علي المحصول, وتوافر المشرف الزراعي, ولكن تحول دورها الآن إلي الدور الاستثماري مثل بيع البطاطين والكتاكيت والقطن للفلاحين مقابل التوقيع علي ايصالات امانة بضمان الحيازة, ويشدد علي أن مفهوم الاستثمار الذي تمارسه الجمعيات الزراعية في الوقت الحالي لا يصح مع مواطنين ومزارعين يحققون الأمن الغذائي للبلاد. ويضيف أن المعينين في الاشراف الزراعي في مديريات الزراعة لا يفعلون شيئا وأطالبهم بالنزول لرؤية الاراضي علي الطبيعة, كما أن الادوية تباع في الجمعيات الزراعية بأسعار أعلي من القطاع الخاص, ومعظمها مغشوش. وأشار دهشان الي أنه من المشكلات الأخري مشكلة الحيازات التي تتم وفقا لمعاينات وهمية, وهي معاينات تتم علي الورق فقط, وذلك للحصول علي الاسمدة المدعمة ثم يقوم المزارعون الذين حصلوا بعد ذلك علي هذه الاسمدة المدعمة ببيعها إلي التجار بعد ذلك, ويشدد علي ضرورة عودة صرف الاسمدة مرة أخري من بنك التنمية والائتمان الزراعي لانه لا مجال للتلاعب في البنوك, والتي تعطي الحصة المقررة من الاسمدة كجزء من السلفة, لذا نطالب بالغاء المعاينات الوهمية والاعتماد علي الحيازة البيضاء والصفراء في صرف الحصص المقررة من الاسمدة. الفلاح فريسة للسوق السوداء الإسكندرية حنان المصري: في الإسكندرية وكما يقول أحمد شاهين أمين عام نقابة الفلاحين بالإسكندرية إن الدولة تركت الفلاح فريسة لتجار السوق السوداء من أجل توفير مستلزمات الانتاج الزراعي.. فبعد عجز الجمعيات الزراعية عن عمد من توفير التقاوي للفلاحين وصل سعر شيكارة التقاوي إلي نحو ألف جنيه في السوق السوداء التي يحتكرها عدد من الشركات الخاصة ذات علاقات غير معروفة بوزارة الزراعة وبذلك أصبح أكثر من (2 مليون ونصف المليون) من الفلاحين بالإسكندرية فريسة لتجار السوق السوداء. ويضيف: ليس هذا فحسب فهناك مشكلة الكيماوي فالجمعيات الزراعية لا تعطي للفلاح النسبة التي تشبع أرضه لأن من المفروض أن يحصل الفلاح علي ثلاث شيكارات كيماوي شهريا أما الواقع بالكاد يحصل علي شيكارة واحدة فقط كل ثلاثة أشهر, إن ما يحدث يعد بيعا للفلاح بالأمر المباشر لتجار السوق السوداء... ويسير بقوله.. خلال السنوات المقبلة ستحدث كارثة ننوه عنها من الآن سيفاجأ المجتمع المصري بإحجام آلاف من الفلاحين عن زراعة أراضيهم نتيجة ارتفاع تكلفة الزراعة التي تستمر ستة أشهر مثل زراعة الأرز والقمح والقطن وعند الحصاد يجد كارثة وهي قيام الدولة بوضع أسعار غير مناسبة علي الاطلاق للمحصول ولا تكفي حتي لتغطية تكاليف الزراعة التي ارتفعت بشكل جنوني بسبب السوق السوداء والايدي العاملة وهذا ما حدث العام الماضي في محصول القطن حيث فوجئ المجتمع الزراعي بقيام وزير الزراعة باستيراد كمية ضخمة من القطن أما القطن المصري فقد تلف تماما نتيجة تركه لدي الفلاحين الذين يتكبدون أموالا طائلة لا عائد منها.. والأكثر ايلاما أن الفلاح يضطر إلي اللجوء لتجار الجملة للاستدانة منهم لعجزه عن توفير تكاليف الزراعة.. هؤلاء التجار الذين يحصلون علي نسبة 10% من جملة الانتاج نتيجة اقراضهم للفلاح. فوضي في سوق التقاوي والمبيدات البحيرة إمام الشفي: الفلاح في البحيرة كما يقول محمود عقيلة أمين الفلاحين السابق يعاني صعوبة بالغة في الحصول علي مستلزمات الانتاج بالأسعار المناسبة في جميع فصول العام, مما يضطره إلي الشراء من تجار السوق السوداء وكثيرا ما يقوم هؤلاء التجار ببيع تقاوي غير منتقاة ومبيدات فاسدة للمزارعين الذين يقومون باستخدامها تحت ضغط الحاجة. في حين انتقد المهندس الزراعي عبدالعزيز رمضان الدور الغائب لوزارة الزراعة حيال فوضي سوق التقاوي التي انتشرت بشكل لافت حيث الغش والتهريب بسبب انعدام المراقبة وتسجيل الأصناف موضحا إن هناك شركات تقلد أصناف التقاوي العالمية أو المعتمدة فتقوم مثلا في البطاطس بشرائها وإعادة تعبئتها وبيعها علي أنها أصناف عالمية وهي شركات تخدع المزارع لأنها تقاوي غير صالحة من الأساس وتسبب مثل هذه التقاوي الرديئة في ضعف الانبات وقلة الانتاجية. فيما يمضي حسن عبداللطيف مزارع بمنطقة الكوم الأخضر قائلا: لا يكاد يمر يوم الا وتزداد معه أزمة الأسمدة تفاقما واختناقا حتي أصبحت هما يشغل الفلاحين حيث باتوا ضحية للسوق السوداء والذي ترتفع معه سعر الشيكارة في البحيرة لتتراوح بين 250 و280 جنيها وهي أزمة تتكرر منذ سنوات ومشيرا إلي أن المشكلة الأكبر ترجع إلي الاحتكار من قبل بعض الشركات خاصة التي من شأنها رفع الأسعار بجانب التجار الذين يستغلون الأزمة, واصفا أياهم بأنهم (أس البلاء) إضافة إلي الخلل الكبير في آلية توزيع وتسعير وبيع الأسمدة مؤكدا أن ظهور شركات المناطق الحرة في السوق السوداء أكبر دليل علي وجود خلل في برنامج رقابة وتوزيع الأسمدة, وكشف نبيل مخيمر مزارع من المحمودية أن دور الارشاد الزراعي غائب منذ ستينيات القرن الماضي رغم أهميته الكبري حيث يعتبر بيت الخبرة للمجتمع الزراعي, مطالبا بضرورة إعادة النظر في هيكلة هذا الجهاز وتخطيط البرامج الارشادية بحيث تبني علي احتياجات الزراع الفعلية مع البحث عن أساليب بديلة للتمويل, ولن يتأتي ذلك الا من خلال صدور تشريع جديد للنهوض به. تخبط في السياسات الزراعية دمياط حسن سعد: أخطر ما يواجه الفلاح الدمياطي حاليا مشاكل التسويق في ظل حالة التخبط في السياسات الزراعية الحالية حيث يتحمل الكثير من الأعباء وهو وحده الذي يعاني من جشع التجار الذين يحصلون منه علي المحاصيل بأسعار منخفضة تكبده خسائر مالية كبيرة. يقول فاضل المغاوري فلاح والوكيل السابق لمجلس محلي المحافظة إن من أهم المشاكل التي تواجه فلاحي المحافظة هي عدم توفير التقاوي الحديثة من بعض المحاصيل الهامة مثل محصول القمح وخاصة أنواع سدس 12, جيزة 11, مصر 2.1 فضلا عن عدم توفير الأسمدة الأزوتية في الوقت المناسب قبل بدء الزراعة وفي هذه الحالة تضطر إلي اللجوء للسوق السوداء حيث نحصل عليها بأسعار أزيد من ثمنها الأصلي بنحو 50%, كما نعاني وخاصة في فترة الموسم الشتوي من عدم التطهير الجيد للترع والمصارف بحيث تصل المياه إلي الأراضي الواقعة في نهاية الترع.