جاءت زيارة جون كيري, وزير الخارجية الأمريكي, إلي مصر, الأسبوع الماضي, ثم زيارة وزيري خارجية ودفاع روسيا, سيرجي لافروف, وسيرجي شويجو, هذا الأسبوع, لتؤكد أن مصر كانت, وستظل, حجر الزاوية في علاقات الدول الكبري بالمنطقة إفريقيا, وعربيا, وشرق أوسطيا. وعلي الرغم من كل ما اعتري العلاقات بين القاهرةوواشنطن, خلال الشهور الماضية, من توتر, أو فتور, فإن المؤكد أن خلافات الدول, ذات الوزن الإقليمي والاستراتيجي, تراعي الحد الأدني من الأبعاد المختلفة, نظرا للمصالح المشتركة فيما بينها, التي سوف تتأثر سلبا, حال استمرار ذلك التوتر, وهو ما يجعل هناك حرصا من هذه الدولة, وتلك, علي عدم التمادي في أي نوع من الإجراءات, أو حتي التصريحات التي تزيد من تعكير صفو هذه العلاقات. ومن المؤكد أن زيارة كيري كانت تصب في هذا الاتجاه, وهو احتواء الموقف, قبل اتساع هوة الخلاف, وهو ما لم نألفه في الممارسات الأمريكية مع دول أخري عديدة, حيث اعتدنا التصعيد الأمريكي في الأزمات المشابهة, سواء من خلال وزارة الخارجية, والكونجرس لديها, أو عبر اللجوء للأمم المتحدة والمنظمات الدولية, بصفة عامة, في أحيان كثيرة, إلا أن التعامل الأمريكي مع الحالة المصرية قد برهن علي أن مصر حالة مختلفة, سواء من حيث التاريخ, أو الجغرافيا, أو البشر, أو الموقف الراهن, الذي لم يقبل المساومة. وربما قد استفادت واشنطن, من ذلك الموقف الراهن, أن شيئا ما, قد تغير في مصر علي صعيد السياسة الخارجية, مؤداه أن هناك نظاما جديدا لن يقبل الإملاءات, وأن هناك قوات مسلحة بقيادة مختلفة, لن تقبل الوصاية, وأن هناك شعبا انتفض, ولم تعد المعونات تغريه, أو القروض, والصفقات تحنيه. ومن هنا, فإن ندية التعامل, تفرض علي كل طرف عدم التدخل في الشئون الداخلية للطرف الآخر, وهذه هي أبسط قواعد العلاقات الثنائية بين الدول, التي ترغب في إقامة علاقات مشتركة فيما بينها, وإذا كانت مصر قد تنازلت عن هذا الحق في الماضي, لأسباب عديدة, فإن الأوضاع قد اختلفت الآن داخليا وخارجيا, ولم يعد مقبولا ذلك الانبطاح أمام الهيمنة الإمبريالية, التي كانت قد بلغت حدا لا يمكن قبوله شعبيا, حتي وإن تم قبوله علي المستوي الرسمي في السابق, لأسباب خاصة بالاستمرارية في الحكم. فعلي مدي نحو35 عاما, كانت الإدارة الأمريكية, دائما وأبدا, عائقا أمام تحسن العلاقات مع الاتحاد السوفيتي السابق, أو روسيا الاتحادية فيما بعد, كما كانت عائقا أمام توطيد العلاقات مع دول أخري مثل, إيران, أو كوريا الشمالية, وغيرهما من الدول, بل كانت السياسة الإمريكية تمثل عائقا أمام تحول ديمقراطي حقيقي في مصر, واكتفت باستقطاب نخبة من المثقفين والسياسيين, الذين راحوا يترجمون رغبات واشنطن علي أرض الواقع, في المجالات السياسية والاقتصادية, بل الاجتماعية. ومن هنا.. كان تنويع مصادر السلاح بمثابة طموح مصري, لا يرقي إلي التنفيذ, وتنويع الاستثمارات ظل حلما بعيد المنال, وهو ما قزم من دور مصر في المنطقة, بل في المحافل الدولية, التي كانت تتطلب تنسيقا مسبقا, والأهم من هذا وذاك, هو أن المواطن لم يشعر يوما بالحرية الحقيقية, أو بالاستقلال الوطني, الذي ترعرع عليه منذ بداية الستينيات, حيث جاءت المعونة الأمريكية لتجهض هذه المعاني السامية تماما. وربما كانت زيارة الوزيرين الروسيين في توقيت واحد, بمثابة عودة الروح لهذا الشعور الوطني, الذي جعل المواطن يتنفس الصعداء مع بداية عهد جديد, والخروج من هذه العباءة إلي آفاق أوسع, وذلك علي الرغم من أن التجربة السوفيتية معنا في السابق لم تكن ترقي إلي الحد الذي يثير فينا ذلك الزهو أو تلك النشوة, حيث كان بها ما بها من منحنيات, إلا أنها اللعبة السياسية التي تتطلب الانفتاح علي الجميع, وخاصة إذا كان الآخر بحجم الدب الروسي, الذي يعني الكثير للسلاح والاقتصاد, والسياحة, ناهيك عن السياسة, وما لروسيا من قوة في المحافل الدولية, وفي مقدمتها مجلس الأمن الدولي. فالأرقام تشير إلي أن الجيش المصري مازال يعتمد علي أكثر من40% من السلاح الروسي, وهو في حاجة إلي تطوير وقطع غيار, والأرقام تشير إلي أن السياحة الروسية كانت حتي وقت قريب تتصدر السياحة العالمية القادمة إلي مصر, والتوقعات تشير إلي أن مستقبلا واعدا للتبادل التجاري, والتعاون الاقتصادي بين البلدين, والآمال تتطلع إلي تعاون سياسي وثيق حول العديد من قضايا المنطقة, وفي مقدمتها القضية الفلسطينية, والأزمة السورية, وأمن منطقة الخليج. إلا أنه في كل الأحوال, يبقي باب الانفتاح المصري علي العالم مواربا, لا ينغلق أمام القادم من الغرب, أو الآتي من الشرق, بالشروط والمواصفات المصرية, فقد كان لنا من التجارب شرقا وغربا ما يحتم علينا ذلك, وبالتأكيد لن يلدغ المؤمن من جحر مرتين, لا علي الطريقة الأمريكية, ولا علي الطريقة الروسية, ولنا في الشقيقتين العراق وسوريا الأسوة. لمزيد من مقالات عبد الناصر سلامة