حظيت علاقات مصر بروسيا الاتحادية باهتمام شعبي وإعلامي كبير أخيرا, ارتباطا بموقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من ثورة30 يونيو , والذي أدي إلي تزايد المشاعر المعادية لواشنطن بين ابناء الشعب المصري بسبب دعمها نظام جماعة الإخوان المسلمين وإعلانها حجب جزء من المساعدات السنوية لمصر. في المقابل هناك مطالب شعبية ونخبوية تطالب بتعزيز العلاقات مع روسيا في مختلف المجالات, واسترجاع المشاريع الكبري التي اقيمت في مصر بدعم من الاتحاد السوفيتي السابق. والواقع أن المراقب لعلاقات مصر بالاتحاد السوفيتي السابق, ووريثته روسيا الاتحادية, يجد أنها تعرضت لفترات صعود تلاها هبوط وصل الي ما يشبه التجميد الكامل. وانتهي منحني التدهور في العلاقات مع موسكو بقرار السادات تخفيض مستوي التمثيل الدبلوماسي مع الاتحاد السوفيتي بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد مع اسرائيل برعاية أمريكية عام1979, وذلك قبل إعادتها لمستوي السفراء في سبتمبر1984 بقرار من الرئيس الأسبق حسني مبارك و الذي شهدت العلاقات المصرية/ الروسية في عهده تطورات إيجابية ملحوظة علي مختلف الأصعدة, لاسيما خلال السنوات العشر الأخيرة حتي ثورة يناير.2011 ومنذ ذلك الوقت لم تشهد علاقات البلدين تطورات تذكر, حيث لم يكن لزيارة الرئيس السابق محمد مرسي لموسكو في مارس الماضي, أي مردود إيجابي سواء فيما يتعلق بطلب رفع جماعة الإخوان المسلمين من قائمة المنظمات الإرهابية وفقا للنظام القانوني والقضائي الروسي, أو الحصول علي قروض أو تسهيلات مالية من الدولة الروسية. ومن الناحية العملية, أود تأكيد أن ما اكتسبته علاقات مصر بروسيا من زخم سياسي خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق مبارك, لم يحقق النتائج المرجوة علي مختلف الأصعدة, خاصة في مجالات التعاون الاقتصادي والفني والمبادلات التجارية, وذلك رغم وجود إطار قانوني واضح لعلاقات البلدين واستعداد الجانب الروسي لتطوير التعاون القائم وفتح مجالات تعاون جديدة0 وفي تقديري أن الأسباب وراء ذلك تكمن في عوامل ثلاثة تشكل كلا لا يتجزأ, يضاف إليها عامل رابع يتعلق بالبيروقراطية الشديدة ومركزية القرار الروسي, وذلك علي النحو التالي: العامل الأول: ويتمثل في شكوك موسكو إزاء توجهات سياسة مصر الخارجية واقتناعها بصعوبة مضي القاهرة في تعاونها إلي المدي الذي تطمح إليه روسيا. وقد بدأت هذه الشكوك منذ فترة حكم الرئيس السادات وتحوله الكامل نحو واشنطن بلا مقابل تقريبا والوصول بالعلاقات مع السوفيت إلي حد القطيعة. وقد ترسخ هذا الاقتناع لدي القيادة السوفيتية, والروسية من بعدها, نتيجة ممارسات وأفعال الجانب المصري الذي وضع مسألة عدم إغضاب واشنطن أو تجنب استفزازها كأولوية. ويمكن القول بأن هذه المسألة باتت عقدة مصرية بوسع أي مراقب للعلاقات بين البلدين ملاحظتها. وبإيجاز هناك شعور لدي الجانب الروسي بأن علاقاته بنظيره المصري مرتبطة بترمومتر علاقات القاهرةبواشنطن. وأن القاهرة تنظر لموسكو علي أنها احتياطي لواشنطن, وهو أمر يرفضه الروس تماما. أما العامل الثاني: والذي يرتبط بشدة بالعامل الأول ونتيجة منطقية له, فيتمثل في غياب رؤية استراتيجية متكاملة لما يمكن أن تكون عليه علاقاتنا بروسيا في مختلف المجالات. وفي هذا السياق من غير المنصف اختزال عناصر القوة الروسية في صناعة السلاح وفي كونها عضوا دائما في مجلس الأمن. ذلك أنه لا يمكن تجاهل المكانة الكبيرة لروسيا في الاستراتيجية العالمية كقوة عظمي في مجال الطاقة بجانب إمكاناتها العلمية والصناعية والفنية التي لا يستهان بها. إنها أولي دول العالم المصدرة للسياحة لمصر, وما أود تأكيده هنا هو أن الجانب المصري لم يكن جديا بالقدر الكافي في التعامل مع السوق الروسية, والاستفادة من إمكاناتها. أما العامل الثالث: فيتمثل في الاعتقاد الخاطئ لدي مصر والعالمين العربي والإسلامي عموما بأن موسكووواشنطن غريمان أو حتي متنافسان يصعب التعامل معهما في آن واحد, وهو اعتقاد ربما أسهم الخطاب السياسي في ترسيخه في أذهان العرب, لا سيما خطاب بوتين الذي اعتاد توجيه انتقادات للرؤساء الأمريكيين في مناسبات مختلفة. أما العامل الرابع: وراء تردد وحذر الجانب المصري في الاستفادة من إمكانات روسيا, فيتعلق بالبيروقراطية الشديدة التي تتسم بها الإدارة الحكومية الروسية والمركزية المغالي فيها أحيانا في عملية اتخاذ القرار, وهو ما يصيب شركاء موسكو باليأس ويدفعهم إلي العزوف عنها والتوجه لشركاء آخرين, خاصة في حالة وجود بدائل. هناك إمكانات واعدة لتطوير العلاقات مع روسيا في مختلف المجالات, خاصة في ضوء موقفها الداعم لثورة30 يونيو, واستقبالها السيد نبيل فهمي وزير الخارجية في زيارة ناجحة لموسكو في سبتمبر الماضي. وهكذا يمكن قراءة زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين للقاهرة, علي انها تعكس حرص روسيا علي تطوير شراكة استراتيجية مع مصر لطالما سعت إليها موسكو إدراكا منها أن تكون القاهرة هي مفتاح المنطقة وأنه لا يمكن الحديث عن دور روسي ذي وزن في الشرق الأوسط دون مصر. وفي هذا السياق يجب ان ندرك ان روسيا وإن كانت تطمح في استعادة نفوذها في المنطقة من خلال ملء الفراغ الناجم عن انحسار النفوذ الأمريكي فيها, إلا انها وعلي خلاف الاتحاد السوفيتي السابق تتبني سياسة واقعية للغاية لا علاقة لها بالايديولوجية, وبالتالي فهي لا تبحث عن حلفاء وإنما شركاء يمكن تحقيق عائد اقتصادي وتجاري من التعامل معهم دون أن يشكل ذلك عبئا علي الموارد الروسية, وهو درس استخلصته موسكو من تجربة الاتحاد السوفيتي السابق. وما يهم هنا هو بذل الجهود المخلصة لبلورة رؤية استراتيجية متكاملة تأخذ في الاعتبار الإمكانات والفرص الكبري التي يمكن لمصر الاستفادة منها في علاقاتها بروسيا. ومن المؤكد أن ثورتي25 يناير و30 يونيو تفرضان علي مصر إجراء مراجعة شاملة لسياستها الخارجية وعلاقاتها بالقوي المختلفة بما في ذلك تطوير علاقاتنا بالصديق الروسي. لمزيد من مقالات عزت سعد السيد