حمام سباحة للطيور حفرة صغيرة وسط نجيل أخضر يفترش حديقة القرية السياحية التي ذهبنا نقضي بها أياما قليلة بعيدا عن زحام القاهرة وتوترها.. الحفرة يصب فيها أنبوب الماء العذب الذي يروي الحديقة. حول حافة الحفرة وقف ثلاثة عصافير متوسطة الحجم, مد كل منها منقاره وشرب. مع أنها من نوع واحد ومتقاربة الحجم, فإن واحدا منها كان ريش ذيله شديد الاحمرار, والثاني في جناحه ريشة صفراء, بينما تزين صدر الثالث مساحة خضراء. قفز صاحب الذيل الأحمر وسط الماء القليل الذي يملأ الحفرة, وغطس, ثم ظهر علي سطح الماء, ونفض ريشه وذيله الأحمر, ثم عاود الغطس والاستحمام ونفض الماء بينما زميلاه يرقبانه.. أخيرا قفز منتعشا إلي حافة الحفرة. بعده قفز زميله صاحب الريشة الصفراء, واستمتع بحمامه في بحيرة الماء الصغيرة التي لا تتسع إلا لطائر واحد, ونفض ريشه ثلاث مرات فالتمعت الريشة الذهبية, ثم قفز نشيطا إلي الشاطئ.. ثم نزل صاحب المساحة الخضراء علي صدره ليأخذ دوره سعيدا بالماء الدافئ. بعدها عادت العصافير تصطف علي حافة حفرة حمام السباحة, تتباهي بما في ريشها من ألوان حمراء وصفراء وخضراء, ثم انطلقت تحلق طائرة معا. قالت ابنتي وقد شاركتني تأمل ما حدث: كيف اتفقت هذه العصافير الثلاثة علي هذا النظام الدقيق في الاستمتاع بالاستحمام واحدا بعد الآخر, لا يزاحم أحد زميله, وكل منهم ينتظر دوره ؟ فتساءلت بدوري: وكيف أدركت هذه المخلوقات الصغيرة, منذ البداية, أنك إذا لم تعط الآخرين فرصتهم ليحصلوا علي ما هم في حاجة إليه, فلن تجد فرصتك أنت لتحصل علي ما تحتاج إليه ؟!, وأنه إذا زاحم أحدهم الآخر أو حرم زميله من دوره, فلن يستمتع أي واحد منهم بالاستحمام في تلك البحيرة التي لا يزيد حجمها عن حجم كرة القدم ؟