الحاجة إلي الحوار الوطني الشامل في اليمن ضرورة أساسية في ظل الأوضاع الداخلية اليمنية والإقليمية والعالمية.فعلي المستوي الداخلي, يتجه الوضع في الجنوب اليمني إلي المزيد من الاعتماد علي المواجهة المسلحة بين القوات الحكومية وبين مسلحين ينتمون إلي قبائل وحركات سياسية علي مساحة ليست بسيطة وبغض النظر عن قلة عدد المسلحين غير الحكوميين, فإن هذا العدد يمكن أن يزداد في حال وقوع المزيد من الضحايا المدنيين نتيجة المواجهات المتفرقة, وبالتالي زيادة رقعة العداء للقوات الحكومية وكذلك فرص ايقاع ضحايا من بين أفرادها. وتصب مثل هذه النتائج في كفة دعاة الانفصال في الجنوب ومايرددونه من أقوال عن تهميش عسكريين من الجيش الجنوبي اليمني السابق عبر إحالتهم إلي التقاعد. وهنا اتذكر ماحدث في الشمال الصومالي المعروف ب صوماليلاند, حيث أدي قصف القوات الحكومية لقوات المعارضة هناك أواخر الثمانينيات إلي فرار المدنيين إلي إثيوبيا المجاورة واتساع رقعة التمرد وكذلك تزايد عدد مؤيدي العودة إلي استقلال أرض الصومال( صوماليلاند) التي كانت دولة مستقلة لفترة قصيرة ودخلت في وحدة مع جنوب الصومال في الستينيات. وقد ساهم الطيران الصومالي آنذاك بدور هام في إيقاع المزيد من الضحايا. ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن مشاركة الطيران اليمني في عمليات بالجنوب, حتي لو كان ضد تنظيم القاعدة أخيرا, ومع القيود علي بعض وسائل الإعلام المرئية, فإن هناك مخاوف من أن يقع ضحايا مدنيون في الجنوب اليمني بسبب هذا السلاح الذي يصعب عليه تمييز الأفراد من الجو. ومع التصعيد العسكري, فإن هناك سخونة في الجدل حول الحوار الوطني اليمني بين الحكومة وبين المعارضة. فبعد أكثر من عام علي توقيع اتفاق فبراير2009 بين حزب المؤتمر الحاكم وبين المعارضة. المعروفة باسم اللقاء المشترك, مازالت الخلافات مسيطرة بشأن الأطراف التي ينبغي لها المشاركة والتوقيع علي أي اتفاق يتم التوصل إليه. ووصل الأمر إلي حد قول الرئيس اليمني علي عبدالله صالح أخيرا: إن اتفاق فبراير خطأ, فلتمضي الفترة التي تم التوقيع عليها فبراير( عامان) ولتجري الانتخابات في موعدها المحدد, ومن يشارك فيها فهذا حقه وكذلك من لم يشارك. ويعد طرح مشاركة أو عدم مشاركة الأحزاب الممثلة بمجلس النواب الحالي في الانتخابات, التي تأجلت من إبريل2009 إلي إبريل2011, دليلا علي التمسك الواهن بالمشاركة السياسية في الوقت الذي يتم فيه التقليل من ضرورة تجميع الصفوف لمعالجة قضايا مهمة تتطلب إجماعا وطنيا مثل الحفاظ علي وحدة اليمن. وفي الوقت الذي طرح فيه الرئيس اليمني الحوار مع قوي الحراك الجنوبي, المسئولة عن جانب من التوتر ورفع شعار انفصال الجنوب اليمني, فإن هذا الطرح تضمن تنويها بأن الحكومة اليمنية لاتتعجل انجاز هذا الحوار. فقد طرح الرئيس علي قوي الحراك الجنوبي أن يعرضوا مطالبهم علي القنوات السياسية مثل مجلس النواب والشوري والمجالس المحلية ثم يتم التحاور معهم, وأن الحوارسيتم عبر لجان يتم تشكيلها. ورغم ذلك, فإن النقطة المضيئة في عرض الرئيس اليمني أنه أبدي الترحيب بأي مطالب سياسية, مما يفتح الباب أمام مناقشة اقتراحات مثل الأخذ بخيار دولة فيدرالية من إقليميين أوولايتين, شمال وجنوب الذي يدعو إليه حزب رابطة أبناء اليمن, أو تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل الحزب الاشتراكي الذي يشعر قادته بالتهميش لتحولهم إلي معارضة بعد أن كانوا يحكمون اليمن الجنوبي قبل الوحدة عام1990. ويعني تشكيل حكومة وحدة وطنية أن يكون الحوار مع كافة القوي السياسية اليمنية وليس الحراك الجنوبي فقط, خصوصا أن أحزاب المعارضة اللقاء المشترك ساندت ضرورة إيجاد حل لمشكلة الجنوب بعيدا عن المعالجة الأمنية وأن اللقاءالمشترك يحظي باتصالات ونقاط التقاء مع الحراك الجنوبي بعيدا عن المطالب الانفصالية. ويؤكد كل ذلك أن هناك ضرورة داخلية يمنية للحوار الذي يعالج قضايا المشاركة السياسية الأفضل,والبطالة, والتهميش, لكن الانشغال بإعطاء الأولوية للحل الأمني في الجنوب, وطرح امكانية الاستغناء عن المعارضة في الانتخابات المقبلة يجعل الحوار أمرا صعبابحيث لايمكن انجازه خلال مايربو علي العام قبل انتخابات2011 التي كانت المعارضة تتطلع إلي أن تتم وفق القائمة النسبية مايتيح المزيد من المشاركة السياسية.وعلي المستويين الإقليمي والدولي, ووسط هذه الصعوبات, فإن الحكومة اليمنية مطالبة يتحقيق اصلاح سياسي بناء علي حوارداخلي, وكذلك اصلاح إداري واقتصادي يتيح استيعاب مليارات الدولارات التي تبرعت بها الدول المانحة خصوصا دول الخليج لمساعدة اليمن علي تحقيق تنمية شاملة تعالج مشاكل الوحدة الوحدة الوطنية والبطالة والفساد وتزيد من رضا الجماهير نحو الحكومة المركزية. لهذا لابد من حوارجاد له نتائج محددة يمكن تحويلها إلي أفعال لتحقيق الاستقرار في اليمن والاطمئنان للجيران والدول الأخري المعنية. المزيد من مقالات عاطف صقر