أجراس الخطر تدق بشدة بعد أن وصلت فاتورة واردات المواد الغذائية والحاصلات الزراعية إلي93 مليارا و250 مليون جنيه, مقابل صادرات وصلت إلي27 مليار جنيه، وفق إحصائيات الجهات المتخصصة عن العام الماضي.. وبسبب هذه الفاتورة اختل ميزان المدفوعات والميزان التجاري مع معظم دول العالم التي نتعامل معها ولم تصل أضرار هذه الفاتورة عند هذا الحد, بل استنزفت ولاتزال تستنزف الاحتياطات الدولية من العملات الأجنبية لدي البنك المركزي, مما أسهم بشكل أساسي في تخفيض قيمة الجنيه المصري, فارتفعت الأسعار وتصاعدت حدة التضخم كما يقول الدكتور صبري أبو زيد أستاذ الاقتصاد بتجارة قناة السويس وعميد الكلية سابقا. ويوضح أن هذا النزيف مرجعه هجرة الفلاح للأراضي الزراعية وتبويرها بعد أن حاصرته المشكلات وتركته الحكومة نهبا للأزمات المحلية والعالمية, فاقتلعتهم الزوابع من جذورهم وتزايدت حدة الفقر والمشكلات الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة, وأصبحت القرية مأوي للفقر والجهل والأمراض الصحية والاجتماعية, فهجر الفلاح أرضه وتخلي عنها أولاده واتجهت أنظارهم إلي السفر للخارج أو إلي المدن الكبري, حيث تتوافر في هذه الأماكن فرص العمل والحياة الكريمة. ويشير إلي أن الأزمة الخانقة التي يعانيها الاقتصاد المحلي أدت إلي تعثر المئات من الشركات بعد أن عجزت عن تسويق منتجاتها نتيجة المنافسة الحادة من السلع المستوردة. ويطالب الحكومة بوضع عمليات استصلاح الأراضي علي قائمة الاستثمارات الملحة التي يجب تسكينها في المجتمع الاقتصادي المصري, ومنح هؤلاء المستثمرين حوافز استثمارية كبيرة لجذبهم نحو هذه المشروعات. ويضيف الدكتور علاء الدين محمد عبدالمتعال, الخبير بالمركز القومي للبحوث الزراعية سابقا, أن المساحات المنزرعة الحالية أصبحت لا تكفي سوي لثلث عدد السكان, مشيرا إلي أن الأراضي الزراعية الحالية أصبحت ضعيفة الإنتاجية نتيجة توطن الأمراض فيها, وتفتيت الرقعة الزراعية إلي أدني معدل, وأصبحت لا تصلح لزراعة المحاصيل الحقلية مثل القمح والذرة والقطن والشعير, بل إن أصحاب هذه الأراضي اتجهوا إلي بيع هذه المساحات الصغيرة المتبقية بعد تبويرها, ثم بيعها بأسعار مرتفعة كأراض صالحة للبناء, وساعد في ذلك كثرة المشكلات الزراعية والاجتماعية التي تحاصر الفلاحين وأسرهم. ويقترح أن تعود عمليات إنشاء المجتمعات الزراعية المتكاملة التي تضم شباب الخريجين الذين يتملكون10 أفدنة لكل خريج, ثم تصنيف هذه القري وفقا لأنواع الزراعات التي يزرعونها حتي يمكن توسيع رقعة الأرض التي تزرع بالمحاصيل الحقلية الموحدة للتغلب علي مشكلة تفتيت الملكية الزراعية التي يعاني منها المجتمع الزراعي حاليا. ويقول إن عمليات استصلاح الأراضي تحتاج إلي استثمارات ضخمة تتطلب مشاركة الحكومة للقطاع الاستثماري لضمان توزيع هذه الأراضي علي شباب الخريجين بأساليب مرنة في متناول دخول وإمكانات هؤلاء الشباب, لأن مشكلاتهم عديدة وتفرض علي الحكومة مساندتهم حتي يجتازوا المراحل الأولي للمشروع, ثم تكوين احتياطات نقدية تراكمية لمواجهة النفقات المرتفعة. طبق الفول مستورد بالكامل ويؤكد علاء حسب الله, عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية للصناعات الغذائية, أن مصر تستورد55% من القمح والدقيق و65% من طبق الفول الذي يتناوله المصريون في الصباح مستوردا من الخارج, بل إن طبق العدس يستورد بأكمله من الخارج و98% من الزيوت النباتية تستورد, وبالمثل للاستهلاك من اللحوم, حيث تدهور الإنتاج المحلي إلي30% ونكمل باقي احتياجاتنا من الخارج بسبب ارتفاع تكاليف الأعلاف. ويوضح أن ما يقرب من مليون فدان قد تم تبويرها بعد ثورة25 يناير حتي الآن.. لذا فهو يطالب بتغليظ العقوبات ومواجهة عمليات تبوير الأراضي, لأنها اعتداء علي حقوق الأجيال المقبلة. ويطالب بأن تقوم الحكومة بتقديم الدعم النقدي والعيني للفلاح من خلال تقديم الأسمدة والمبيدات بأسعار مناسبة, ووضع برنامج قومي للنهوض بإنتاجية المحاصيل الحقلية الأساسية مثل القمح والذرة والشعير والفول والعدس وقصب السكر.. وكذا الاهتمام بالمحاصيل الزيتية, وذلك بعقد ندوات ودورات للإرشاد الزراعي للفلاح, وتوزيع البذور ذات الإنتاجية العالية عليهم لزراعتها, واتباع أساليب المكافحة العلمية للآفات. 80 % من الفاتورة للحبوب أما علي عيسي, نائب رئيس جمعية رجال الأعمال ورئيس الشعبة العامة للمصدرين السابق, فيفسر أسباب, المنحني المتصاعد علي الطلب لاستيراد المواد الغذائية بعدة أسباب علي رأسها تدهور الإنتاج الزراعي وتعثر أعداد كبيرة من الشركات المصنعة وتراجع قيمة الجينه مما رفع فاتورة الاستيراد, مشيرا إلي أن80 % من حجم هذه السلع يركز علي الحبوب والزيوت, وموضحا أن مثل هذه الزراعات أصبحت لا تجلب عوائد مادية للفلاح مما جعله يهجرها واتجه إلي زراعة الفاكهة والزراعات التي تحقق له عائدا ماديا كبيرا, وأصبحت الدورة الزراعية غير ملزمة له خاصة القمح الذي تتزايد حصة استهلاكه سنويا نتيجة استخدامه كغذاء أساسي للانسان وكذلك للحيوان نتيجة قيام الحكومة بدعمه وهو ما يفسر تمسك الخبراء بأن تقوم الحكومة بإلغاء هذا الدعم واستبداله بالدعم النقدي. انتاجية الفول تتراجع يتحدث نعيم ناشد معوض, مستورد وعضو شعبة الغلال, بلغة الأرقام قائلا إن الفول المدمس الذي كانت تحقق مصر في زراعته الاكتفاء الذاتي أصبح لا يسد احتياجات السوق المحلية سوي بنسبة20% فقط ونستورد النسبة المتبقية من الخارج بعد أن خرجت محافظات الصعيد من إنتاجه بسبب ضعف التربة الزراعية وإصابتها بالأمراض نتيجة غياب الوعي والإرشاد الزراعي لدي الفلاح, وأصبحت بعض المحافظات في الوجه البحري هي التي تزرعه كما في الشرقية وكفر الشيخ حتي إن السوق المحلية تستورد سنويا أكثر من800 ألف طن, منها150 ألفا تستهلك خلال شهر رمضان للسحور. وبالمثل للعدس الذي يعد وجبة شعبية يتناولها كل مصري أصبح إنتاجه لا يمثل سوي10% فقط ويتم استيراد النسب المتبقية من الخارج, مشيرا إلي أن جملة المبالغ المخصصة لاستيراد الفول والعدس فقط سنويا تصل إلي مليارين ونصف مليار دولار وأن جملة فاتورة استيراد الحبوب فقط تقترب من7 مليارات دولار كل عام. يقترح أن تقوم الحكومة بحلقة الوصل بين المستثمرين والفلاحين علي أن تضع في اعتبارها زيادة القيمة المضافة في الاستثمارات الجديدة وضرورة الاهتمام بالتكنولوجيا الحديثة المستخدمة في الدول المتقدمة في الزراعة لزيادة الإنتاجية وتحسين الأداء الزراعي من خلال البحوث العلمية وتحقيق الاستدامة الزراعية وزيادة التعاون مع المؤسسات الزراعية الدولية. ويشير إلي أن أحد أسباب زيادة فاتورة الاستيراد هو ارتفاع سعر الدولار في الفترة الماضية حتي إنه تعدي حاجز ال8 جنيهات بسبب استنزاف الاحتياطي من العملات الدولية, مما جعل البنك المركزي يتخلي عن تغطية الاعتمادات المستندية الحبوب والبقوليات الجافة مما جعل قيمة الفاتورة تتصاعد بنسبة20 %, وقد ألقت هذه المشكلة بظلالها علي كميات الحبوب والبقوليات المستوردة حيث انخفضت الكميات المستوردة خلال الأشهر القليلة الماضية من العام الحالي بنسبة25 % لأن البنوك لا تغطي سوي الاعتمادات البنكية لاستيراد القمح والدقيق والزيوت والسكر بنسبة100 %, وهو ما جعل الكثير من المستوردين يتراجعون عن عمليات الاستيراد فارتفعت أسعار هذه البقوليات والحبوب. 350 مليون جنيه للحوم من المواد الغذائية التي تعاني مصر فيها من فجوة واسعة اللحوم والأسماك كما يقول الدكتور علاء رضوان رئيس رابطة مستوردي اللحوم والدواجن والأسماك ومصنعاتها إن فاتورة استيراد هذه المنتجات تصل إلي350 مليون جنيه لأن الإنتاج المحلي للحوم البلدية لا يزيد علي40 % سنويا بسبب ارتفاع تكلفة الأعلاف والخدمات والأدوية البيطرية مما أوجد سوقا كبيرة لبيع اللحوم المستوردة لأعداد كبيرة من الفقراء والطبقات المتوسطة الذين يعجزون عن شراء اللحوم البلدية بسبب ارتفاع أسعارها بل إن شركات مصنعات اللحوم يحظر عليها استخدام اللحوم الطازجة في تصنيع منتجات اللانشون والبيف والبسطرمة والشاورمة. يضيف أن نسبة مساهمة الفلاح كانت تمثل67 % من إنتاج اللحوم البلدية لكن هذه النسبة تلاشت بعد أن هجر الفلاح الأرض وتربية الدواجن والماشية بسبب ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات البيطرية مما دفعه إلي شراء اللحوم والدواجن الحية المستوردة والمذبوحة والمجمدة. ويطالب البنك المركزي باعتبار اللحوم والأسماك المستوردة ضمن السلع الغذائية الاستراتيجية التي يجب تغطية الاعتمادات المستندية لاستيرادها بنسبة100% بدلا من25% لأن المستوردين يقومون بتدبير الدولار من السوق الموازية لتغطية هذه الاعتمادات لأن ذلك يمثل عبئا ماليا علي تكلفة السلعة, فيدفع من قيمة فاتورة الاستيراد إضافة إلي ارتفاع أسعارها علي عاتق المستهلكين, مشيرا إلي أن معدلات استهلاك اللحوم ومصنعاتها يتصاعد مع حلول الشتاء والموسم الدراسي. أذواق المستهلكين يختتم يسري تيناوي مدير عام غرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات عن مشكلات الغذاء, قائلا: إن اذواق المستهلكين في تناول الأغذية تختلف, فهناك فئة القادرين التي تفضل تناول الأغذية المستوردة من دول أوروبا والكتلة الغربية علي وجه العموم لقناعتهم أن هذه الدول تتبع المواصفات الحديثة أو المتطورة في الصناعة التي تتناسب وصحة الإنسان مثل منتجات الألبان وهؤلاء بالطبع يساهمون في ارتفاع قيمة فاتورة الاستيراد. ويضيف أن هناك أعدادا لا بأس بها من المصانع خرجت من السوق بسبب تعثرها في مواجهة الأزمات الاقتصادية وبسبب صعوبة تدبيرها شراء العملة الأجنبية لشراء الخامات ومستلزمات الإنتاج بل إن بعض الشركات خاصة الصغيرة والمتوسطة لم تستطع أن تصمد في مواجهة السلع البديلة المستوردة التي أصبحت تنافس المحلي بسبب الأعباء المالية الزائدة علي عاتق المنتج الوطني المتمثلة في فروق شراء العملة والضرائب والرسوم والغرامات واعتصامات العمال وعمليات السطو المسلح علي مخازنها ومصانعها حتي إن الأمر وصل إلي سرقة السيارات المحملة بالبضائع, كل هذه المشكلات دفعت بعضا من المصنعين إلي الاتجار في المواد الغذائية المستوردة لأن العائد عليها كبير إضافة إلي تخلصه من مشكلات التصنيع والعمالة. ويطالب الحكومة بضرورة دعم المزارعين كما تفعل الحكومات الأوروبية والولايات المتحدة, فتقدم لهم الدعم المادي والعيني وسرعة مواجهة مشكلات صناع الغذاء وعلي رأسها مصانع بير السلم التي تقذف بمليارات الجنيهات من الأغذية المخالفة للمواصفات علاوة علي الغش التجاري مما يسئ لسمعة الغذاء المصري.