في العام1956 ألقي الجنرال الإسرائيلي الشهير موشي ديان كلمة تأبين في أعقاب مقتل شاب عضو في كيبوتز, خلال هجوم علي الحدود قام به عرب, وضمن كلمته أشار ديان إلي أن الإسرائيليين بحاجة إلي التعود علي فكرة مفادها أن الحياة في الشرق الأوسط تعني البقاء علي أهبة الاستعداد إلي الأبد.. عن أي استعداد كان ديان يتحدث؟ يكمل أنه بدون الخوذة الفولاذية ونار المدفع لن نكون قادرين علي زرع شجرة وبناء منزل.. هل يعني ذلك أنه كتب علي إسرائيل العيش علي حد السيف مرة وإلي الأبد؟ في الذكري الأربعين لانتصارات حرب أكتوبر يبدو أن إسرائيل لم ولن تغير عقيدتها الدوجمائية, ويصدق في ذلك بالفعل قول أحد شعرائهم أن كل إسرائيلي يولد ومعه السكين الذي سيقتل به, من جراء أفعال الدولة العبرية, لا من وراء الكراهية للسامية, فقد عاش اليهود في معظم العالم العربي, وفي مصر بنوع خاص عصور من أفضل عصورهم منذ زمن الدياسبورا في القرن الأول الميلادي. علي أن السؤال هل إسرائيل في أوضاع عسكرية ونفسية تتيح لها فكرة العيش المسلح أن جاز التعبير بدون نهاية وفي وسط طوفان بشري ناقم عليها أو بالأحري علي أفعالها العدائية؟ يدرك الباحث في شئون الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية أن المؤسسة الحربية الهجومية هناك تعاني في الأعوام الأخيرة من خطب جلل يتمثل في تناقص عدد المجندين العسكريين في الجيش الإسرائيلي من جهة ومن جراء الاقتطاع في الموازنة التي تتعرض لها وزارة الدفاع من ناحية أخري, وهو أمر مرشح للزيادة, لاسيما مع الأزمة المالية الأمريكية وما تتعرض له البنتاجون من تقليص في الموازنات وبالتالي المساعدات لإسرائيل. ما تقدم ليس حديثا إنشائيا بل يستند إلي تصريحات أخيرة صادرة عن رئيس وحدة التخطيط بالجيش الإسرائيلي الجنرال نيمرود شيفر والذي أشار إلي: أن الوحدات الإسرائيلية اليوم من حيث العدد أقل من نصف قوتها التي كانت عليها قبل30 عاما مضت. بعد أربعين عاما لا تزال روح العنصرية ضاربة جذورها في الجسد الإسرائيلي, وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يتهددها باكثر مما تتهددها الجيوش العربية قاطبة ولهذا لم تعد اسرائيل سفينة نوح الجديدة في الشرق الأوسط بحال من الاحوال.. هل من برهان علي ذلك ؟. انظر الي حديث تعيين وزيرة القضاء الإسرائيلي تسيبي ليفني لأستاذة القانون روث غابيزون لبلورة تعريف دستوري لإسرائيل. تسعي ليفني لأن يكون التعريف علي النحو التالي: دولة يهودية ديمقراطية, الأمر الذي ترفضه قوي ليبرالية إسرائيلية, عطفا علي الرفض الرسمي للعرب الفلسطينيين لهذا التعريف الذي يختزل هوية الدولة في سياق ديني أحادي النزعة, ويباعد بينه وبين معادلة المواطنة التي ترتكز أساسا إلي فصل الدين عن الدولة من جهة, وطرح تسوية تاريخية بين الدولة العبرية والفلسطينيين في إسرائيل من جهة أخري, ما يعني أن الحديث عن مفاوضات مع الجانب الفلسطيني, إضاعة للوقت, وإصرار علي أن تكون الحراب بالفعل هي مرتكز إسرائيل الحقيقي في الحال والاستقبال. يبدو أن الإسرائيليين دخلوا في حرب أكثر فوضوية مما توقعوا.. هكذا تحدث رئيس الدبلوماسية الأمريكية الأشهر هنري كيسنجر في العام1973, وهو ما أماطت عنه اللثام وثائق كشف عنها حديثا في وزارة الخارجية الأمريكية, ويعلم القاصي والداني كذلك أنه لولا الجسر الجوي الأمريكي من السلاح والعتاد, وبدون صور الأقمار الاصطناعية, وطائرات الاستطلاع الأمريكية لما قدر لإسرائيل أن تصدر أو ترد الهجوم المصري غير أن اليوم بخلاف الأمس, لاسيما أن الامبراطورية الأمريكية المنفلتة تعيش مرحلة العودة للتمترس خلف جدران المحيط العازلة... هل هذا الواقع الجديد هو الذي دعا إلي طرح علامة استفهام من قبل مدير عام مكتب رابين وكاتب خطاباته مفادها هل سترحل أمريكا وفي النهاية سنبقي هنا وحدنا؟. مثير جدا شأن رجالات إسرائيل, ربما تعوذهم حكمة سليمان الموجودة قطعا بين أياديهم, لكنهم لا يقرأون.. هل لديهم بعد أربعين عاما رجال أخيار؟ أم سيتحتم عليهم أن يصلوا صلاة المشور, من جديد؟ في قلب حرب الأيام الستة كان ليفي أشكول رئيس الوزراء يصرخ علي جنرالات جيشه هل يريدون لنا العيش علي حد السيف إلي الأبد؟ هذا ما قرره مدير مكتبه الجنرال إسرائيل ليور يومها ربما أدرك أشكول ما سبق ورده رئيس وزراء فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولي جورج كلينمصو من أن الحرب مسألة أخطر من أن تترك للجنرالات. ومع نصر أكتوبر وهزيمة الجيش الذي لا يقهر, كان لابد لإسرائيل من أن تعتبر حرب يوم الغفران إشارة تحذير لمستقبل الدولة فهل فعلت, لاسيما أنه في ذلك اليوم خيل للإسرائيليين أنهم أمام خراب بيت ثالث. يدرك المراقب المدقق والمحقق للشأن الإسرائيلي أن إسرائيل تعيش مأزقا وجوديا لا حدوديا في الآونة الأخيرة, فمن الداخل الصراع بين العلمانيين من جهة والمتطرفين الدينيين من ناحية ثانية, ومن الخارج يبدو ان عليها المشاركة اجبارا لا اختيارا في دفع اكلاف تسويات سياسية وأمنية تجري من حولها, فهي الآن علي سبيل المثال مطالبة بالتخلص من سلاحها الكيماوي مثل سوريا, وانهاء غموضها النووي الذي طال. لماذا لا تتذكر إسرائيل شجاعة بطل الحرب والسلام الرئيس المصري الشهيد أنور السادات؟ لم تكن شجاعة السادات فقط شجاعة الحرب, بل شجاعة الانتصار علي الذات, في سعيه للسلام, حيث وطأ كل المخاوف التاريخية, والعقبات الجغرافية, لتعيش مصر واسرائيل, بل وكل العرب في سلام. بعد أربعين عاما إسرائيل غير قادرة علي العيش إلا علي حد السيف... أمة من العسكر تضحي. لمزيد من مقالات اميل أمين