في ظل ما يتردد حول استعداد عناصر التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لرفع شعار رابعة علي جبل عرفات خلال موسم الحج, أكد علماء الأزهر حرمة استخدام الشعارات السياسية في موسم الحج, أو التضييق علي حجاج بيت الله الحرام أو ترويعهم, وأن مثل هذه الأفعال تخرج شعيرة الحج عن مقاصدها وتجعلها غير خالصة لله عز وجل. وناشد علماء الأزهر, ضيوف الرحمن, الذين جاءوا من جميع أقطار الأرض, أن يؤدوا المناسك علي هدي النبي, صلي الله عليه وسلم, لا علي هدي الأحزاب والجماعات. وطالبوا الجماعات والتيارات الداعية إلي التظاهر علي عرفات, بالنأي بعبادة الحج عن الصراعات الحزبية, أو الطائفية أو السياسية, وأن تكون خالصة لله وحده. يقول الدكتور أحمد عمر هاشم, عضو هيئة كبار العلماء: إنه لا يصح استخدام أي شعارات سياسية في أثناء الحج, لأن الحج والعمرة لله وحده لا شريك له, لقول الله تعالي وأتموا الحج والعمرة لله ومعني الآية الكريمة أن تكون العبادة في الحج والعمرة خالصة لله وحده, وعندما يحرم الحاج يقول: لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لا شريك لك وهذا هو لفظ شرعي يعلن فيه الحاج أنه في الحج يؤدي العبادة لله, ولا شريك له, وإذا بدأ طوافه بالبيت الحرام يقول الحاج: اللهم إيمانا بك, وتصديقا بكتابك, ووفاء بعهدك, واتباعا لسنة نبيك سيدنا محمد, صلي الله عليه وسلم فهو يبدأ مناسكه وعبادته بأنها لله وحده وتصديقا بكتابه, ووفاء له سبحانه, فلا يصح أن يشرك في عمله غير الله, ولا يستغل العبادة لأمور دنيوية, وعليه أن يخلص العمل لله وحده لا شريك له. وإذا كان البعض يستشهد بجواز التظاهر, استنادا الي ما ورد في القرآن الكريم حول منافع الحج, التي جاءت في قوله تعالي: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير سورة الحج, فان الدكتور أحمد عمر هاشم يؤكد بطلان هذا الاستدلال ويقول: هذه المنافع منها دينية, ومنها دنيوية, مثل التجارة والبيع والشراء, ويقول الله تعالي: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ويدل هذا علي أن الحاج يشهد هذه المنافع, وهي ليست داخلة في الخلافات السياسية أو الحزبية, بل لابد أن تكون منافع للجميع, بعيدة عن أي شائبة من الشوائب الدنيوية, ولا نريد أن نجعل صراعات بين فئة أو فئة, أو فصيل وآخر, ولا نريد أن نجعل من أداء المناسك منافسات, وصراعات حزبية, أو طائفية أو سياسية, وننأي بهذه العبادة عن كل ما يشوبها, علي أن تكون خالصة لله وحده. أما الدكتور سعيد عامر, أمين عام لجنة الفتوي بالأزهر, فيشير إلي أن عبادة الحج خالصة لله رب العالمين, لا لسمعة أو رياء, ولا لحزب أو جماعة, ولا يجوز للمسلمين أن يأتوا بشعارات أو هتافات في أداء مناسك الحج, بخلاف ما ورد عن نبينا الحبيب, صلي الله عليه وسلم, فقال في صحيح حديثه خذوا عني مناسككم, وليس رفع شعار رابعة أو غيره وهتافات الأحزاب والجماعات من هدي نبينا, صلي الله عليه وسلم, فلا يجوز لنا أن نستخدمها في أثناء العبادة, ويوم عرفة يوم الحج الأكبر, ويجب علي المسلم أن يشغل نفسه بالدعاء والاستغفار والذكر وتلاوة القرآن والصلاة علي النبي, صلي الله عليه وسلم, فإن الله يباهي بهؤلاء الملائكة ويتجلي لهم بإجابة الدعوات والمغفرة والرحمة والرضوان. وناشد جميع الحجاج الذين جاءوا من جميع أقطار الأرض, أن يؤدوا المناسك علي هدي النبي, صلي الله عليه وسلم, لا علي هدي الأحزاب والجماعات. من جانبه أكد الدكتور محمد رأفت عثمان, عضو هيئة كبار العلماء, أن استخدام هذه الشعارات السياسية في أثناء أداء المناسك هو استغلال لفريضة الحج استغلالا سياسيا, ويدخل في الإشراك في العبادة, لأن العبادات لابد أن تؤدي صافية عن أي شئ آخر, ولم يبح الله تعالي: إلا التجارة وقت الحج, وهي نعمة من الله أن جعل هذا التجمع الكبير جدا من أطراف الدنيا سببا لأن يستفيد بعضهم من بعض, أما من يتخذ الشعائر فرصة للأعمال السياسية, فهو يؤدي بالطبع إلي الاختلافات بين الناس, مع أن الله عز وجل, قال: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج, ومن المؤكد أن رفع الشعارات السياسية, يثير ويغضب الآخرين ممن لا يؤمنون بهذا الفكر, فقد يؤدي ذلك الي فتنة في الحج, والفتنة نوع من الضرر, وقد أمرنا بنص حديث رسول الله, صلي الله عليه وسلم, أن نجتنب الضرر, فقال صلي الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. وأضاف أن الواجب علي المسلم أن يفرغ نفسه لهذه العبادة الكبري, فلا يشغل نفسه بأمور تؤدي الي الاختلاف في كثير من الأحوال, والفرق بين التجارة والسياسة, أن التجارة مبنية علي الرضا التام بين الطرفين, سواء كان من ناحية التجار, أو من ناحية المشترين, أما الشعارات السياسية فليس لها هذا الطابع الرضائي, بل هي مدعاة للاختلاف في كثير من الأحوال والاختلاف منهي عنه في أثناء الحج, كما ورد في النص الكريم الذي ذكرناه, فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ولعل الحكمة في المنع من الجدال أن طبيعة هذه الشعيرة الكبري, وهي شعيرة الحج, يجتمع فيها خلق كثير, فإذا أبيح بها الجدال والنزاع, أدي ذلك في كثير من الأحوال إلي الإضرار بالناس ولعل الضرر لا يكون مقتصرا علي طرفي الخلاف, بل قد يؤدي إلي الإضرار بالآخرين ممن لا يشغلون أنفسهم بالخلاف الدائر أمامهم, فعلي الأقل سيشغلهم ذلك عن التفرغ الكامل للعبادة.