سيظل نصر حرب السادس من أكتوبر عام1973 حدثا فريدا من نوعه في منطقة الشرق الوسط والعالم. فحرب أكتوبر لم يتوقف تأثيرها عند حدود العمليات العسكرية والسياسية فحسب بل تعدته إلي قلوب وعقول وحياة كل عربي بوجه عام والعرب الذين يعيشون علي أرض فلسطينالمحتلة وفي قلب إسرائيل علي وجه الخصوص. فعندما وقعت حرب يوم كيبور(أي حرب عيد الغفران بالعبرية), كان( فلسطينيو48) يعيشون في مهانة وذل لامثيل لهما حيث كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تنظر إليهم بوصفهم عربا وغير يهود, أي باختصار كانوا هم أعداء الداخل الذين لاحول لهم ولاقوة. ولإدراك مدي الخوف والإرهاب والمهانة التي كان يعيش فيها( فلسطينيو48) عندما نشبت حرب أكتوبر1973 تكفي الإشارة إلي ما نقلته صحيفة هآرتس الإسرائيلية عما حدث في الأيام التالية علي العبور. ويصف شاؤول بار حاييم الدبلوماسي الإسرائيلي بسفارة بلاده لدي الولاياتالمتحدة حال( عرب48) قبل حرب أكتوبر عام1973 في رسالة بعث بها ليوري لوبراني مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي للشئون العربية قائلا: من الواضح أن هؤلاء العرب يرغبون في العيش بأجسادهم داخل دولة إسرائيل, ولكن من زاوية نفسية وروحية فإنهم يعيشون بالفعل مع الجانب العربي أي مع أعداء إسرائيل. وأثناء مراحل الإعداد لشن عدوانها علي الدول العربية في حرب عام1967 اتخذت السلطات الإسرائيلية قرارها بإجراء أول مسح استقصائي للسكان العرب في إطار الجهود الرامية لتأمين الجبهة الداخلية قبل الحرب. وجاءت نتائج الاستقصاء الذي أجري قبل وقت قصير من حرب عام1967 لتؤكد أن أكثر من50% من شباب العرب( من هم في سن التجنيد وتم استبعادهم لأنهم عرب) يشعرون بأنهم في وطنهم إذا إنتقلوا للعيش في دولة من الدول العربية, حتي وإن لم يكونوا قد زاروها من قبل, مقارنة بإسرائيل التي يشعرون فيها بالغربة! وأظهر6% فقط من الطلبة العرب بالمدارس الثانوية في إسرائيل القبول بفكرة الحياة في المجتمع المدني الكبير الذي يضم كل من يعيش في دولة إسرائيل من يهود مهاجرين وعرب.بينما أكد81% من الطلبة رغبتهم في الحصول علي وضع المساواة وإن كانوا يفضلون العيش منفصلين داخل تلك الدولة. وتشير الأحداث إلي أن الصحوة الكبري لدي السكان العرب( سواء العرب الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين أو العرب اليهود الذين هاجروا إلي إسرائيل من شمال إفريقياميزراحيم) داخل إسرائيل ظهرت بوضوح عقب نصر حرب أكتوبر عام.1973 فمنذ عام1975 قدرت نسبة المظاهرات العربية ب11% من إجمالي المظاهرات التي شهدتها إسرائيل, وهي مظاهرات كثرت بها أحداث العنف. وبحلول عام1980 أظهر العرب حماسة كبيرة في الحفاظ علي حقوقهم السياسية داخل إسرائيل من خلال تبني إستراتيجيات للتوسع في الحصول علي مقاعد داخل الكنيست( البرلمان الإسرائيلي) وتأييد المظاهرات الاحتجاجية وتنظيم الإضرابات والمقاطعات. وشهدت ذات المرحلة التي تلت النصر في حرب أكتوبر1973 ما أطلق عليه الخبراء الإنفجار المؤسسي داخل إسرائيل وتحركت تلك الكتل العربية نحو الحصول علي مواقع مميزة بالعديد من المنظمات والمؤسسات السياسية والمهنية داخل إسرائيل. وتمكن عرب إسرائيل من الحصول علي زعامة الحزب الشيوعي والعديد من المنظمات الطلابية والأحزاب السياسية الوليدة. ويري الباحث الأمريكي رونالد كربز أن عرب إسرائيل تبنوا اتجاها شديد الاختلاف عقب حرب عام1973 وبدت بوضوح نزعاتهم الانفصالية التي اتخذت3 مظاهر. وعلي مر السنوات التي تلت انتصار حرب أكتوبر1973 بدأ عرب إسرائيل في التأثير علي نظام التعليم والإدارات العربية في مختلف الوزارات وظهر اتحاد للتجار العرب وآخر للصحافة وجامعة عربية. وهكذا حمل نصر اكتوبر1973 مشاعر العزة والكرامة للمصريين والسوريين وللعرب جميعا في بلادهم الحرة وفي أنحاء العالم بل وفي الأراضي العربية المحتلة ذاتها وفي قلب إسرائيل ذاتها. فقد ظهر الأمل في الحرية بعد أن سقط المستحيل وأدرك العرب أن ساعة الصحوة قد حانت.