جاء قرار الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف, بعدم الاعتراف بمعاهد إعداد الدعاة التي لا تخضع لإشراف الوزارة, ليشكل بادرة لتصحيح المسار الدعوي وإنهاء حالة الفوضي التي شهدتها ساحات المساجد خلال العامين الماضيين, نتيجة صعود غير الأزهريين لمنابر المساجد. وأوضح العلماء, أن المناهج التي تدرس في هذه المعاهد تحمل الكثير من الأراء التي تتناقض مع نصوص الشريعة الإسلامية, بل إن البعض وصف هذه المعاهد بأنها مدارس لتفريخ العنف والتشدد. وطالبوا وزارة الأوقاف بضرورة القيام بدورها في ضبط الخطاب الدعوي, من خلال منع غير المتخصصين من صعود المنابر, لأن هناك عشرات الآلاف من خريجي الأزهر لا يجدون فرصة عمل في مجال تخصصهم, وهؤلاء أحق بالعمل كخطباء بالمكافأة, لأنهم تخرجوا في الأزهر الشريف رمز الوسطية والاعتدال. ضبط الخطاب الدعوي ويقول الدكتور الأحمدي أبو النور, وزير الأوقاف الأسبق, أن هذا القرار يرتبط بعمل الوزارة, لأنها عندما تريد أن تعتمد إماما ليعتلي المنبر, لابد أن يكون هذا الإمام من خريجي إحدي الكليات الشرعية بالأزهر أوكلية دار العلوم أوالأقسام الإسلامية بالجامعات, أو أن يكون خريجا لأحد معاهد إعداد الدعاة التي تخضع لإشراف الوزارة, وذلك بهدف أن يكون خريج هذه المعاهد تم إعداده وفقا لمنهج الوزارة القائم علي الوسطية والإعتدال, وذلك لأن المناهج التي تشرف عليها الوزارة تكون شاملة لعلوم القرأن والسنة واللغة العربية والفقه والشريعة والسيرة والتاريخ الإسلامي, وأيضا ما يتعلق بالقضايا التي ينبغي أن يتعامل الداعية معها وأن تترسخ معرفته بها, وخصوصا ما يتعلق بالقيم والأخلاق, فالداعية لابد أن يكون مصدر أمن وسلم وأن يكون عنونا للمسلم لأن الداعية لابد أن يكون قدوة, وأن يكون علي معرفة شاملة لما جاء في كتاب الله وسنة الرسول وسيرة الأئمة والمصلحين, وعندما يصل الداعية إلي هذه الدرجة يكون شديد التأثير في المصلين ورواد المساجد, فتنتشر القيم والأخلاق وينتهي الشغب والإرهاب ضد المجتمع وتسود الحكمة والفضيلة. مسئولية الأوقاف وشدد علي أن وزارة الأوقاف هي صاحبة الأمر فيما يتعلق بإعداد الدعاة, ولا حرج أبدا أن يكون الداعية الذي يعتلي المنبر, قد خضع لمعاهد إعداد قائمة علي مناهج الوزارة, وبالتالي تقع مسئولية هذا الداعية علي الأوقاف, وهي مسئولية كبري لابد أن تقوم بها الوزارة علي أكمل وجه, ولايجب أن يهاجم البعض هذه القرارات التي تمكن الوزارة من القيام بدورها في الإشراف علي المساجد التابعة لها, وكذلك المساجد الأهلية ومساجد الجمعيات الدينية, فلابد أن تشرف الأوقاف علي كل المساجد, فإذا كانت وزارة التربية والتعليم تشرف علي جميع المدارس, ولا يمكن أن يتم إنشاء مدرسة دون أن تشرف وزارة التربية والتعليم علي المناهج التي تدرس في هذه المدارس, فلماذا يتعجب البعض عندما تصدر الأوقاف مثل هذا القرار؟, وبالتالي ليست بدعة أن تشترط الأوقاف الإشراف الكامل علي معاهد الدعاة, لأنها تتحمل مسئولية الخطاب الدعوي الموجود في جميع المساجد, لأن وجود دعاة غير مؤهلين ولم يتم تدريبهم علي منهج الوزارة, أدي للكثير من المشكلات في الفترة الماضية, نتيجة المناهج الدراسية التي تدرس في بعض المعاهد, ولهذا فإن الأوقاف تسعي لأن يكون إعداد الدعاة متوافقا مع منهج الأزهر الشريف. دخلاء علي الدعوة من جانبه قال الشيخ عبد الحميد الأطرش, رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر, إنه من العيب الشديد أن تقوم الجهات المسئولة في الدولة بمعاقبة من يمارس الطب دون أن يتخرج في كليات الطب, ولا تعاقب من يعمل بالدعوة رغم أنه لم يدرس العلوم الشرعية ولم يتخرج في الأزهر الشريف, ويشير إلي أن من يمارس الدعوة دون علم, قد يدمر أمة ويهز أركان المجتمع, ورغم ذلك لا يوجد عقاب أو حساب من جانب الجهات المسئولة, مؤكدا أن قرار وزير الأوقاف بعدم الإعتراف بخريجي معاهد الدعاة التي لاتخضع لإشراف الوزارة, يعد عين الصواب, لأنه ليس من حق أي إنسان أن يقف علي المنبر, وكل من يعتلي المنبر لابد أن يكون دارسا للعلوم الشرعية. وأوضح أن المشكلات التي حدثت في المساجد وفي المشهد الدعوي خلال الفترة الماضية, تدل علي أن هناك من يعتلي المنبر ويخطب علي هواه, والكارثة هنا أن عامة الناس من رواد المساجد, قد يختلط عليهم الأمر ويعتقدون أن هذا الخطيب من أئمة الأوقاف, حتي لو كانت كل مؤهلاته اللحية والجلباب القصير والسواك والمسبحة, رغم أنه ليس من خريجي الأزهر, وفي النهاية تتحمل الأوقاف مسئولية أي تقصير في الجانب الدعوي, والناس دائما تتهم الأئمة بالضعف والتقصير, والحل الوحيد أن تكون جميع المنابر تحت إشراف الأوقاف دعويا, ولابد من منع غير الأزهريين من صعود المنابر, لأن خريجي الأزهر تمتلئ بهم الشوارع ولا يجدون فرصة عمل, ولابد من الإستعانة بهم كخطباء بالمكافأة بدلا من غير المتخصصين الذي يعتلون منابر المساجد وتصدر عنهم الكثير من التجاوزات. مناهج تخالف الشريعة ويري الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه بجامعة الأزهر, أن ما شاع علي الألسنة من إطلاق مسمي مراكز إعداد الدعاة, لا يصدق عليه المسمي أيا كان, فليست هذه مراكز إعداد دعاة, وليس من شأن ما يدرس بها أن يكون إعدادا لأحد ليقوم بدور معين, كما أنه من البديهي أن من يدرسون بها ليسوا دعاة ولا يؤهلون ليكونوا كذلك, لأن هذه المناهج في نظر من اعتمدها هي مما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, مع أن المحتوي يفيض بالغثاثة والرداءة, بل إن منه ما يدعو إلي الشطط الفكري, ويخالف نصوص الشرع مخالفة صريحة, كما أن خريجي هذه المراكز لا يضيفون بدراستهم بها كثيرا إلي ما لديهم من ثقافة إسلامية, ودائما ما تكون المصارحة صادمة, لأن القائمين علي أمر هذه المراكز يستقطبون لها من تلهج ألسنتهم بالثناء والمديح علي كل شيء بها, باعتبار أن هؤلاء المدرسين لا يعنيهم منها إلا أن يدوم انتدابهم لها, ولم يعهد من القائمين علي هذه المراكز تشكيل لجان لتقييم أدائها, وإعادة النظر فيما يدرس بها وفق مقتضيات كل عصر. إنتاج للفكر المتشدد وأشار الدكتور إدريس, إلي أن القائمين بالإشراف علي هذه المعاهد تم اختيارهم من أهل الثقة ولم يختاروا بحسب الكفاءة, وكان لهذه المنظومة المختلة أثرها في وجود مؤلفات تدرس بهذه المراكز وضعها غير متخصصين, تعج مؤلفاتهم هذه بالأخطاء العلمية القاتلة, وبعض هذه المراكز يمارس عملية التسول أو الارتزاق من خلال ممارسته لهذا النشاط, كما أنها تفرخ الإرهاب من خلال ما يطرح فيها من أفكار علي الدارسين, والأغرب أن يعتمد مناهجها جهات لا شأن لها بالتعليم أصلا, ولذا ينبغي أن تضع الجهات الأمنية في الدولة أعينها عليها, من خلال تكليف خبراء فيما يدرس بهذه المراكز, للوقوف علي حقيقة المادة العلمية المقررة في مناهج الدراسة, ومدي مواءمة محتواها للشرع الحنيف, حتي لا تكون مدارس لتفريخ الإرهاب, ومن الأهمية عدم إطلاق مسمي معاهد إعداد الدعاة علي هذه المراكز, فليس من شأن ما يدرس بها أن يعد داعية أوغيره, بل إن أقصي ما يتعلمه الدارس بها جرعة متواضعة للغاية من الثقافة, يتوقف مقدارها ومدي نفعها علي المادة العلمية ومن يلقيها علي مسامع الدارسين, ولذا لا ينبغي أن نجاوز بتقييم هذه المراكز واقعها المرير, ولا نغالي في دورها, أو نبالغ في شأن خريجيها. العودة لمنهج الأزهر من جانبهم وصف أئمة ودعاة الأوقاف القرار بأنه بداية لتصحيح مسار الدعوة من الدخلاء, وطالبوا بسرعة تطبيقه لمواجهة الفوضي والفكر المتشدد, وقال الدكتور أحمد صبري خطيب مسجد السلطان أبو العلا, أن الدعوة ليست مهنة من لا مهنة له, وذلك رغم كل التقدير والإحترام للمحبين للعمل الدعوي, لكن الدعوة لها ضوابط, وزارة الأوقاف وهي الجهة المسئولة عن الدعوة في مصر, خاضعة لمؤسسة عظيمة وهي مؤسسة الأزهرالمشهود لها بالوسطية والإعتدال والدفاع عن الإسلام وتصحيح المفاهيم, وطالما أن الأوقاف لا تعترف بكل من لم يتم تدريبه في المعاهد التابعة لها فهذا حق مشروع, ويدخل ضمن ضوابط العمل الدعوي وضمن مسئولية الأوقاف, ولذلك فما صدرمن قرارات طبيعي جدا لتخريج دعاة تم تدريبهم وتعليمهم وفقا لضوابط ومناهج قائمة علي الوسطية والإعتدال, وإذا كان البعض يقول أن هذا تضييق علي من يرغب في العمل الدعوي, نرد بأن هذا ليس تضييقا, لكننا بذلك نرجع الأمر لصاحبه, فالأوقاف مسئولة عن كل من يقف علي المنابر, وبالتالي علي هذه المعاهد أن تلتزم بما صدرعن الأوقاف وأن تخضع للإشراف الدعوي للوزارة وأن تكون الكتب التي تدرس فيها تتوافق مع منهج الأزهر والأوقاف, وذلك لخدمة الدعوة الإسلامية ولتصحيح المفاهيم.