فيروس سي وباء صامت يفتك بأكباد المصريين.. ووسط إهمال بعض المسئولين وغفلة كثير من المواطنينوغياب العلاج الفعال تتسع دائرة المرضي وينضم المئات لطوابير المصابين يوميا. وفي ظل ضعف التوعية بأساليب مكافحة فيروس سي, طالت العدوي9 ملايينمصري, كما أصيب5% من الاطفال بالمرض وفقا للإحصائيات الحكومية. أما ما يزيد من وطأة الكارثة أن المرض يسكن أحشاء فريسته لسنوات طويلة تصل الي25 سنة دون ظهور أعراض ملحوظة, ولا يكشف عن نفسه إلا بعد فوات الأوان وتدهور الحالة الصحية بظهور انتفاخ في البطن وتليف بالكبد وتورم بالقدمين. الخبراء يؤكدون أن مكافحة المرض تقتصر علي التوعية لعدم وجود علاج مؤثر و قصير المدي للقضاء علي المرض, ويجزمون بأن غالبية حالات الاصابة تقع داخل المنشآت الصحية سواء الخاصة أو العامة لعدم اتباع وسائل الوقاية والتعقيم المناسبة. ويطالبون بزيادة ميزانية وزارة الصحة المخصصة لعلاج مرضي الكبد وتكثيف حملات التوعية لتنبيه المواطنين لمخاطر فيروس سي وسبل الوقاية,ويحذرون من استمرار ارتفاع معدلات انتشار المرض بين المواطنين. يقول الدكتور سعيد عون, وكيل أول وزارة الصحة للشئون الوقائية سابقا: اجريناأبحاثا ميدانية للكشف عن نسبة الاصابة بالمرض, فجاءت نتيجة البحث الاول الذي أجري عام1996 تؤكد إصابة12.8% من المصريين بفيروس سي وفي بحث آخر أجري عام2003 وصلت النسبة إلي14% بالإضافة إلي إصابة5% من الاطفال بفيروس سي. ويجزم بأنه رغم الجهود المضنية لتأسيس إدارة متخصصة لمكافحة العدوي بوزارة الصحة فإن المرض مازال يتسلل وينتشر نتيجة التقيد بالروتين الذي يعرقل جهود المكافحة. ويؤكد أنفاتورة علاج جميع مرضي فيروس سي بمصر في عام2003 بلغت20 مليار جنيه, مشيرا إلي ان ارتفاع عدد المرضي سيزيد الأعباء علي ميزانية وزارة الصحة. وينبه عون إلي أن الأبحاث أثبتت أن المريض بفيروس سي ينقل العدوي لواحد من أفراد أسرته- علي الأقل خلال خمس سنوات من إصابته بالمرض. ويطالب بضرورة إجراء تحليلات للكشف عن وجود فيروس سي من عدمه, مؤكدا أهمية الكشف المبكر عن المرض وخاصة أن العلاج في سن متأخرة يكون أقل تأثيرا. ويري الدكتور جمال عصمت, أستاذ الكبد بطب قصر العيني ونائب رئيس جامعة القاهرة, أن70% من أسباب انتشار المرض ترجع للممارسات الصحية الخاطئة داخل المنشآت الصحية, أما بقية الإصابات فترجع الي اتباع ممارسات خاطئة في المجتمع و بين المواطنين وخاصة استعمال الادوات الشخصية بين أكثر من فرد داخل العائلة الواحدة. ويضيف ان وزارة الصحة تقدم45% من الخدمات الصحية علي مستوي الجمهورية, مؤكدا أن مكافحة انتشار فيروس سي تتطلب توفير المستلزمات الطبية بأسعار رخيصة, بالإضافة إلي حملات إعلامية مستمرة للتعريف بالمرض ومواجهة العدوي. ويطالب بإنشاء هيئة تخضع لمجلس الوزراء يكون دورها مكافحة الفيروس يحوز رئيسها صلاحيات رئيس مجلس الوزراء لتسهيل اتخاذ خطوات جادة وفعالة في مجال مكافحة الفيروس. و يحذر من أن عدم توحيد جهود وزارة الصحة و منظمات المجتمع المدنيالعاملة في مجال مكافحة انتشار العدوي بالمرض يحول دون تحقيق النتيجة المأمولة, ويطالب وسائل الإعلام بتبني حملة توعوية لمنع انتشار المرض والتعريف بحجمه وخطورتة للمساعدة في تجنب الإصابة بالمرض, بعد أن أصبح يكلف خزينة الدولة مليارات الجنيهات, مؤكدا أن150 الف مواطن مصري يصابون بالمرض كل عام. ويوضح أن العلاجات المضادة لفيروس سي لن تقضي علي المرض, لعدم وجود علاج مثالي يتميز بانخفاض تكلفته و فعالية تتجاوز90% ويؤخذ عن طريق الفم, لافتا الي أن الوسيلة الوحيدة لمكافحة المرض حتي الوصول لهذا العلاج المثالي تنحصر في التوعية لتجنب الإصابة بالمرض. ويحذر الدكتور حسن شلبي, أستاذ الجهاز الهضمي والكبد المساعد بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا, من أن الإهمال في بعض بنوك الدم المنتشرة في أنحاء الجمهورية سبب رئيسي في انتشار فيروس سي. ويقول: لقد تعرضت طفلة لم تتجاوز الخمس سنوات مريضة بمرض تكسر الدم للإصابة بفيروس سي نتيجة نقل دم ملوث بالمرض إليها من أحد بنوك الدم, ولو أن القائمين علي هذا البنك راعوا ضمائرهم والأمانة المهنية وقاموا بتحليل عينة منه واكتشفوا تلوثه بالفيروس واستبعدوه ما كانت هذه الطفلة البريئة أصيبت بهذا المرض. كما يحذر من استمرار الخلل في منظومة مكافحة فيروس سي سواء في بنوك الدم أو مستوي حملات التوعية بالمرض,ويؤكد أن دعم وزارة الصحة لمرضي فيروس سي غير كاف, لتراجع الامكانات و التمويل, مطالبا بإعادة النظر في منظومة عمل الأجهزة المعنية بمكافحة المرض, ويلفت إلي أن العدالة الاجتماعية تقتضي حماية المريض من شراسة المرض, لافتا الي ان تكلفة علاج مريض فيروس سي تتجاوز في بعض الأحيان خمسين ألف جنيه, بما يستلزم التفرقة في أسعار صرف الدواء بين المرضي القادرين وغيرهم من الفقراء غير القادرين علي شراء العلاجوتحمل أعباء وتكاليف المرض. ويوضح الدكتور محمد هلال, استاذ الجراحة وزراعة الأعضاء أن تكلفة عملية زراعة الكبد تتجاوز200 ألف جنيه تتحمل وزارة الصحة50 الف جنيه بينما يتحمل التأمين الصحي75 الف جنيه وتسهم جمعية أصدقاء مرضي الكبد بتحمل50 الف جنيه من قيمة العملية, ولا يلجأ إليها إلا في المراحل المتأخرة من المرض سواء نتيجة ظهور غيبوبة كبدية أو استسقاء. ويطالب الجمعيات الخيرية بالتعاون في مكافحة المرض والتخفيف عن مرضي الكبد, بالمساهمة في عمليات زراعة الأعضاء وتحديدا الكبد,مشيرا إلي جهود حثيثة تبذل حاليا للإعداد لمؤتمر دولي خلال شهور لوضع خطة قومية لمكافحة المرض. وبنظرة متفائلة يري الدكتور وحيد دوس عميد المعهد القومي للكبد, أن هناك اهتماما كبيرا بعلاج مرضي الكبد في مصر, ويقول: قبل5 سنوات لم تكن هناك ميزانية لعلاج مرضي الكبد, أما الآن فالميزانية بلغت500 مليون جنيه كما أن قوائم الانتظار لتلقي العلاج لا تتجاوز الشهر في أسوأ الأحوال وهو ما يتطابق مع معدلات قوائم الانتظار في الدول المتقدمة. ويشير إلي أن وزارة الصحة أجرت مسحا شاملا في عام2009 علي مستوي الجمهورية لتحديد نسبة الإصابة بين المواطنين بفيروس سي وكانت9.8%, ويتوقع تحسن الأوضاع وانحسار المرض بتراجع تلك النسبة إلي8% في الاحصاء المرتقب في عام.2014 ويؤكد أن علاج الاطفال من الإصابة بفيروس سي يخضع لمشروع خاص للعلاج بالتعاون مع الجمعيات الخيرية وذلك بمراكز متخصصة في ظل محدودية موارد التأمين الصحي. ويشدد الدكتور أحمد محمد الديب, مدير وحدة المناظير بالمعهد القومي للكبد, علي أن المشكلة الأساسيةفي مواجهة المرض هي غياب رقابة وزارة الصحة علي المنشأت الطبية الخاصة التي تعد المصدر الرئيسي للعدوي, ويؤكد أن حجر الزاوية في مكافحة العدوي هو تعقيم الأدوات الطبية خاصة أن التعقيم يكلف قروشا مقارنة بتكلفة علاج مريض فيروس سي التي تتعدي آلاف الجنيهات للمريض الواحد. ويكشف الديب عن ان المنشآت الطبية الخاصة سواء كانت عيادات أو مستشفيات او غير ذلك تمثل40% من المنشآت الطبية في مصر, ومع ذلك فإن وزارة الصحة لا تجري عليها أعمال التفتيش الصحي بشكل منتظم لضمان الالتزام بمعايير الوقاية و التعقيم, وخاصة أن العقوبات بسيطة وغير صارمة وتقتصر علي الغرامات المالية, مطالبا وزارة الصحة بتشديد العقوبات علي المنشآت التي لا تلتزم بمعايير الوقاية والتعقيم في المنشآت الخاصة لردع المقصرين في حماية صحة المواطنين. ويقول:لا تخضع أي منشأة طبية خاصة للتفتيش إلا بناء علي واقعة أو شكوي وتكون العقوبات مالية بينما يجب تشديد تلك العقوبات لتصل إليحد إغلاق أي منشأة يثبت تهاونها في اتباع أساليب الوقاية.