مع تواتر الثورات العربية وبزوغ آمال التحول نحو المزيد من الديمقراطية في المنطقة شهدت جامعة الدول العربية محاولات حثيثة لإحياء دورها بعد مرحلة من التراجع والتقاعس في ظل مستجدات اقليمية ودولية غير مواتية. ولعل ما شهدته سوريا من أحداث أخيرة قادت إلي توقيعها لبروتوكول جامعة الدول العربية والذي يقضي بقبول إرسال مراقبين إليها ويحدد الإطار القانوني ومهام بعثة المراقبين العرب خير مثال علي رغبة جامعة الدول العربية في أن تقوم بدورمحوري طالما افتقدته. ولعل مما يذكر أن جامعة الدول العربية كانت قد اتخذت قرارا سابقا من خلال وزراء الخارجية العراب بتعليق عضوية سوريا لحين قيامها بتنفيذ المبادرة العربية لحل الأزمة, وهو القرار الذي أثار العديد من التساؤلات لدي غالبية المحللين السياسيين حول طبيعة وأسباب ذلك التطور في مدي جدية القرارات التي تتخذها الجامعة والتي طالما وجهت إليها سهام الانتقادات الحادة بسبب ما عرف عنها من بطء في اتخاذ القرارات ومحدودية فعاليتها في مواجهة الأزمات والتحديات التي تشهدها الأمة العربية. ومن هذا المنطلق أثار توقيع هذا البروتوكول الأخير الذي وقعه عن الحكومة السورية فيصل المقداد نائب وزير الخارجية وأحمد بن حلي مساعد الأمين العام للجامعة في91 ديسمبر الماضي فيضا من التساؤلات والجدل حول الآفاق المستقبلية لدور جامعة الدول العربية في القضايا العربية الراهنة, هذا وتجدر الإشارة إلي أن جامعة الدول العربية منذ تأسيسها عام5491 قد شهدت العديد من الأحداث التي لعبت خلالها مجموعة من الأدوار الفاعلة بيد إنها سرعان ما تعثرت بحيث تعالت الأصوات المنادية بضرورة إلغائها لفشلها في تحقيق أهدافها واعتبارها عقبة أساسية في سبيل إقامة مشروعات أخري للوحدة العربية أو للعمل العربي المشترك تكون أكثر قدرة علي مواجهة احتياجات الشعوب العربية وتحقيق آمالها والاستجابة لتطلعاتها المشروعة. وهنا تجدر الإشار إلي أن أحد أهم الأسباب التي مثلت حجر عثرة أمام فاعلية أداء جامعة الدول العربية ولعقود طويلة قد تمثل بدرجة كبيرة في أنه ليس بوسع الدول العربية إقامة نظام مؤسسي فاعل علي الصعيد الاقليمي مع افتقار دولها لنظم مؤسسية فاعلة علي الصعيد المحلي. وهنا لا يخفي عن أعين المراقب الواعي ان تلاحق الأحداث في المنطقة العربية والسعي الدءوب لإحداث إصلاحات جوهرية علي المستوي المحلي يأذن بميلاد واقع جديد نأمل أن يكون هو الأفضل في إطار المكاسب العديدة التي حققتها الثورات العربية من ضرورة تدشين الممارسات الديمقراطية التي تتبدي في القضاء علي النظم السلطوية والفساد ومع محاسبة المسئولين, ولعل من هذا المنطلق يمكن تصور تزامن هذا التطور علي الصعيد المحلي مع تطور آخر علي الصعيد الاقليمي متمثلا في بروز دور محوري لجامعة الدول العربية نظرا لتأثر هذه الأخيرة بالأوضاع العربية المحيطة باعتبارها مرآة تعكس منظومة التفاعلات العربية. ولعل مما يرجح هذه الرؤية تطور دور الجامعة منذ تفجر الثورات العربية من دور لا يذكر في الثورة المصرية والتونسية إلي دور أكثر ايجابية وصولا إلي موقف أكثر قوة في الأزمة السورية مما قاد عددا من المراقبين السياسيين إلي توصيف هذا القرار الاخير بالسرعة والحسم علي خلاف ما اتسمت به قرارات جامعة الدول العربية لفترات طويلة. وعلاوة علي ذلك فإن الجامعة بصدد تشكيل بعثة من الخبراء المدنيين والعسكريين العرب لتوفير الحماية للمدنيين في سوريا مع الاستعانة بالخبرات والمراقبين من الدول العربية والإسلامية الصديقة لتنفيذ المهام الموكلة للبعثة, كما هددت الجامعة بإحالة الموضوع السوري إلي الأممالمتحدة إذا لم تلتزم دمشق بوقف العنف ضد المدنيين وتطبيق بقية مقررات المبادرة العربية التي مثلت خطوة استباقية من قبل الجامعة لتفادي سيناريو تدويل الأزمة وانعطافها إلي مسار التدخل العسكري علي غرار ما حدث في ليبيا مؤخرا ومن قبله العراق. هذا كما يمكن اعتبار البروتوكول الخاص بحماية المدنيين في سوريا الذي من المفترض أن توقع عليه سوريا خطوة مهمة في العمل العربي المشترك. وفي إطار هذا السياق يمكن القول إن إدارة جامعة الدول العربية للأزمة السورية الحالية سوف تشكل منعطفا جديدا واختبارا حقيقيا في تاريخ العمل العربي المشترك, لأنها ستفصح عما إذا كان القادة العرب قد نجحوا في استيعاب الدروس المستفادة من الأحداث المتلاحقة في تونس ومصر وليبيا, والتأقلم معها وتوظيفها لإحداث نقلة نوعية حقيقية في العمل العربي المشترك. وهنا تجدر الإشارة إلي أن أحد أبرز المعوقات التي تعترض طريق العمل العربي المشترك يتمثل في عدم وجود نظام فعال للجزاءات في نطاقها, مما يجعلها عاجزة عن فرض هيبتها والاحترام الواجب لها في مواجهة أي دولة عضو تمعن في انتهاك أحكام الميثاق. ويمكن القول, ان أهم المداخل المهمة لتعزيز دور جامعة الدول العربية في مجال العمل المشترك قد يتمثل بالأساس في تطوير نطاق الجزاءات بما يسمح بتخويل الجامعة سلطة واسعة تمكنها من فرض إراداتها عند اللزوم. خلاصة القول إنه علي الرغم من أوجه القصور التي شابت أداء جامعة الدول العربية لفترات طويلة, إلا أنها لا تزال تشكل الإطار التنظيمي الملائم لتجسيد آمال الأمة العربية. فإذا كانت جامعة الدول العربية قد اضطلعت منذ عقود طويلة بدور فعال في مساعدة البلدان العربية في صراعها ضد الاستعمار فقد آن لها الآن ان تستعيد دورها لمد يد العون لتحرير الشعوب العربية من سطوة النظم القمعية. وبالتالي فقد بات ضروريا إعادة النظر في ميثاق جامعة الدول العربية, وفي نظامها القانوني وتعديل ميثاقها علي نحو يكفل لها القدرة المناسبة علي تحقيق أغراضها وتخويلها السلطات والصلاحيات اللازمة من أجل تدعيم أجهزتها ومؤسساتها لكي يتلاءم دورها مع التطورات الحادثة علي الساحتين العربية والدولية وهي تحولات تنذر بفيض من التفاعلات التي من شأنها التأثير علي المنطقة العربية بما يستأهل أن نتحسب لها. المزيد من مقالات د.هدى ميتكيس