يجري العمل علي قدم وساق في وزارة التربية والتعليم والإدارات التعليمية لتجهيز المدارس والانتهاء من أعمال الصيانة والترميم والإصلاح, خاصة تلك المدارس التي تأثرت بالأحداث, الكل يسابق الزمن لاستقبال العام الدراسي. لكن هل فكر القائمون علي العملية التعليمية كيف سيتم إصلاح وترميم التلاميذ الذين تعرضوا لصدمات نفسية أقل ما توصف بأنها كارثية, فإذا كانت المباني تعرضت للتخريب والدمار فإن ما تعرض له التلاميذ من إصابات نفسية اشد دمارا, خاصة هؤلاء الذين لم تتعد أعمارهم الثانية عشرة. فهذه الفئات العمرية الأكثر تأثرا بالأزمة, وإن كانت الأزمة قد أثرت بشكل سلبي جدا, علي جميع الأطفال, إلا أنه يجب الإشارة إلي وجود تفاوت في مدي خطورة هذا التأثير, فقد كانت هناك فئتان من الأطفال, الأولي التي شاهدت عبر وسائل الإعلام مناظر مؤلمة من سقوط قتلي وجرحي في المظاهرات, وكلها صدامات واشتباكات عنيفة بين أبناء الوطن الواحد المؤيدين والمعارضين وكأنهم في ساحات للقتال والمعارك ؟ وهذه المشاهد تظهر أضرار العنف علي الأطفال صحيا ونفسيا, والتسبب في أمراض الاكتئاب واضطرابات النوم والأكل, وتنعكس سلبيا علي تصرفاتهم وسلوكياتهم وصحتهم النفسية, وقد تجعلهم ينتهجون سلوكيات عدوانية. ومن أكثر الأمور خطورة فقدانهم الإحساس بالأمان. والفئة الثانية وهي الأكثر خطورة هي الأطفال الذين شاركوا في الاعتصامات ولم تكن هذه المشاركة بمجرد الوجود, بل تم الزج بهم في آتون التظاهر, وتعريضهم لدائرة العنف التي تتمحور حولها الاعتصامات, وكلنا لا ينسي مشهد الأطفال وهم يرتدون الأكفان, وهؤلاء الذين ظهروا علي شاشات التليفزيون قائلين: جئنا لنستشهد, حتي إنهم كانوا يغنون أغنية كلنا مشروع شهيد. والذين اعتلوا المنصات للهتاف ضد الجيش المصري والشرطة, هذا غير المشاركة في أعمال التخريب. ومن المعروف أن الاعتصامات بؤرة صالحة لنمو المتطرفين, فالطفل لا يفكر, وإنما يتأثر بمن حوله سريعا, ونظرا لوجوده ضمن سلوك اجتماعي متطرف وشحنه ضد المجتمع واقتناعه بأن البيئة الخارجية تكرهه, وتؤثر في شخصيته وتجعله طفلا عنيفا وكارها لمن حوله يشعر بأن الآخرين أعداء له, وأحيانا تصنع مجرما متطرفا.. وهنا تأتي المشكلة: كيف تستقبل المدارس هؤلاء التلاميذ بعد كل ما مروا به طوال فترة الاجازة من أحداث؟, هل يمكن أن ينتظموا في العملية التعليمية بشكل روتيني كما يحدث كل عام؟ هل استعدت وزارة التربية والتعليم والإدارات التعليمية والمديرون بوضع الخطط المناسبة لاستقبال هؤلاء التلاميذ بإعادة تأهيلهم وامتصاص الصدمات النفسية التي تعرضوا لها من خلال وضع برامج للتأهيل النفسي تعتمد علي الأنشطة المدرسية الموجهة؟هل أدرك القائمون علي العملية التعليمية ان هذا العام الدراسي هو عام غير عادي وإن لم يتم الاستعداد له بشكل جيد فسوف يكون هناك كثير من المشكلات أقلها العنف والعدوانية ؟ أنا أعلم جيدا أن أساتذة علم النفس والإرشاد النفسي لديهم العديد من البرامج التأهيلية التي تساعد هؤلاء التلاميذ علي تخطي هذه المرحلة, والخروج من سجن الكراهية إلي فضاء المحبة, وتحويل الطاقة السلبية إلي طاقة ايجابية. وأعرف أيضا أنه من الصعب تأهيل كل هذه الأعداد من التلاميذ بشكل مباشر, ولكن هناك طرقا كثيرة, أهمها حصر هؤلاء التلاميذ الذين شاركوا في الاعتصامات, وعلي ما أظن أنهم ليسوا بالأعداد الكبيرة, وإخضاعهم للتأهيل علي فترات وبشكل غير مباشر. وقبل كل ذلك إخضاع جميع المعلمين لدورات الإرشاد النفسي وتدريبهم علي كيفية التعامل مع التلاميذ وكيفية مواجهة المشكلات, لأنه دون مشاركة المعلم وإدراكه ووعيه بهذه المشكلة فلا قيمة لأي برامج أو خطط, ولذلك كنت آمل أن يصدر سيادة الوزير تعليماته بتنظيم دورات تدريبية إجبارية في الإرشاد النفسي لجميع المعلمين, وإن كانت هناك صعوبة بسبب ضيق الوقت فيمكن وضع خطة قصيرة الأجل تعتمد علي القيام بحملة تطوعية من الأساتذة وطلاب الدراسات العليا في علم النفس والإرشاد النفسي وجمعية الصحة النفسية, بالذهاب إلي المدارس خلال هذه الفترة والقاء محاضرات وورش عمل مكثفة, ويمكن الاستعانة بالفيديو كونفرانس بالوزارة للمناطق التي يصعب الوصول إليها, حتي يتسني لنا أن ننقذ ما يمكن إنقاذه. لمزيد من مقالات د. بثينة عبد الرؤوف رمضان