حول ما أثير من جدل خلال تلك الأيام عن الموقف القانوني للجماعات المسلحة التي تمارس الإرهاب هذه الأيام, سواء كانت محظورة من البداية أو تنظمها جمعيات أهلية مشهرة طبقا للقانون, أوكانت تتبع حزبا سياسيا وخرجت عن الإطار المشروع في ممارسة نشاطه السياسي ومن يملك سلطة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال هذه الجماعات الإرهابية, فقد رأيت أن من واجبي الحديث عن أمرين لتوضيح الموقف القانوني لهذه الجماعات, وكيف يمكن مواجهة الجرائم التي ترتكبها داخليا وخارجيا, وذلك علي النحو التالي: أولا: فيما يتعلق بمواجهة تلك الجماعات داخليا فقد سبق لنا الحديث في مقالات سابقة عن أن قانون العقوبات يمنع في نصوصه إنشاء جماعات مسلحة أوتستخدم القوة والعنف في التعبير عن رأيها بقصد فرض سطوتها وهيمنتها علي مؤسسات الدولة, وقد وضع المشرع نصوصا لمعاقبة من يرتكب تلك الأفعال بعقوبات مشددة, ولما كانت القوانين بصفة عامة تتضمن نصوصا متناغمة يكمل بعضها بعضا, بحيث لاتكون متعارضة أو متناقضة وتكتمل حلقاتها في سياق متصل, فإن المطالع لقانون الجمعيات الأهلية وقانون الأحزاب يجد أن نصوصهما قد حظرت إنشاء الجمعيات السرية أوالتي يكون من بين أغراضها تكوين السرايا أوالتشكيلات ذات الطابع العسكري أوتهديد الوحدة الوطنية أومخالفة النظام العام والآداب أوالدعوة إلي التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أوالأصل أواللون أوالدين أوالعقيدة, كما حظرت علي الجمعيات الأهلية التي تتكون لأغراض مشروعة أن تتلقي التبرعات أوتحصل علي أموال من الخارج إلا بإذن من الوزير المختص, وفي سبيل كفالة ذلك أجاز القانون لهذا الوزير أن يصدر أمرا لموظفيه بالدخول إلي مقر تلك الجمعيات وفروعها بغرض الاطلاع علي سجلاتها ومستنداتها, وأجاز لهذا الوزير أيضا أن يصدر قرارا إداريا بحل تلك الجمعيات بعد أخذ رأي الاتحاد العام للمؤسسات والجمعيات الأهلية في حالة ارتكابها مخالفة مما ذكر, وأن يوقف نشاطها ويسلم مقراتها وأموالها إلي الوزارة المختصة, ومفاد ذلك أن وزير التأمينات الاجتماعية يملك إصدار قرار إداري بحل تلك الجمعيات التي تتخذ من الترخيص الصادر لها ستارا لمخالفة القانون في أي صورة مما نص عليه هذا القانون, بل إن لرئيس الجمهورية طبقا لنصوص قانون الطوارئ أن يصدر القرار المناسب في شأن اتخاذ أي من التدابير التي تلزم للحفاظ علي الأمن والسكينة وأن يوسع من دائرة الحقوق المبينة بالمادة التي تمنحه هذا الحق بشرط العرض علي البرلمان حين اجتماعه, إذن أي جمعية سواء كانت تخضع لقانون الجمعيات الأهلية أولاتخضع تتخذ التدابير اللازمة بشأنها في حينها من جانب السلطة التنفيذية ممثلة في الوزير المختص أورئيس الجمهورية إذا ما تجاوزت أغراضها وخالفت القانون. وعلي المتضرر اللجوء للقضاء طبقا للنصوص المبينة سواء في قانون الجمعيات أوفي قانون الطوارئ, ومن باب أولي لمكافحة الإرهاب المستشري والجرائم المرتكبة من تلك الجماعات الإرهابية في هذه الأيام, وليعلم الجميع أن أي تأخير في تلك المواجهة سواء في سرعة اتخاذ القرار أوالقوة المناسبة لتلك المواجهة لن يترتب عليه كما سبق القول سوي استفحال المشكلة وزيادة الخسائر. ثانيا: إن الإرهابيين عادة ما يعجزون عن مواجهة قوات الدولة علي المستوي العسكري, مما يدفعهم إلي استخدام وسائل غير مشروعة من العنف واستهداف المدنيين والأملاك العامة والخاصة بالمخالفة للقانون الوطني والدولي الإنساني, وهم يدركون أنهم ليس لديهم القدرة علي إحداث تغيير في نظام الدولة, ولهذا يلجأون إلي العنف الإرهابي لإضعاف استقرار النظام وإحداث الإذي بأعضاء مجتمعه, من أجل الوصول لتحقيق أهداف سياسية, وذلك بإحداث الرعب في المجتمع بهدف إسقاط النظام ودفعه لاتخاذ وسائل تفقده شرعيته, وفي المقابل يسعي الإرهابيون إلي إضفاء صفة الشرعية علي أعمالهم والبحث عن تأييد لهم في الداخل والخارج, وفي غياب اتفاقية دولية شاملة لمكافحة الإرهاب فلقد حدث توافق دولي علي تجريم الإرهاب في إطار القانون الدولي, غير أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة جاءت خالية من أية قوة إلزامية رغم صدور معظم قراراتها باعتبار الإرهاب عملا إجراميا, واعتباره جريمة دولية هدفها تدمير حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية وتهديد السلام الاقليمي للدول وأمنها وهز استقرار الحكومات الشرعية والمساس بتعددية المجتمع المدني, ورغم أن مجلس الأمن قد أصدر العديد من القرارات ثم تبعه في ذلك الاتحاد الأوروبي باعتبار الإرهاب دوليا حتي ولو اقتصرت آثاره علي الإرهاب المحلي, باشتراط ثلاثة عناصر لتحقق ضررا جسيما يشمل الترويع الجسيم للسكان أويهدف إلي زعزعة الهياكل الأساسية أوالدستورية أوالاقتصادية أوالاجتماعية علي نحو جسيم في بلد تتبع منظمة دولية كالأمم المتحدة, ورغم تعدد الاتفاقيات وتوافقها علي معني جريمة الإرهاب الدولي أوالمحلي إلا أنه لاتوجد محكمة مختصة ذات طابع عالمي تتولي محاكمة الإرهابيين أوشركائهم أمامها, ومن ثم استقر الرأي في تلك الاتفاقيات علي اعتبار المحكمة الجنائية الدولية هي الوسيلة المثلي لمحاكمة المتهمين بالإرهاب أو شركائهم بالتحريض أوالاتفاق أوالمساعدة, بعد إدخال جرائم الإرهاب علي النحو المشار إليه ضمن الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية مما تختص به تلك المحكمة, بحيث يمكن أن تختص بمحاكمة المتهمين في تلك الجرائم سواء كان الإرهاب داخل إطار الدولة أو اشترك فيه آخرون من خارج الإقليم بالاتفاق أوالمساعدة, بصرف النظر عن صفاتهم سواء كانوا أفرادا عاديين أورؤساء دول, مما يعني أنه يمكن إثبات أن رؤساء دول أجنبية كتركيا وغيرها مثلا يشاركون في جرائم الإرهاب التي ترتكب الآن في مصر بالتحريض عليه والمساعدة, متي ثبت تشجيعهم لما يدور من حوادث إرهابية في مصر من خلال تصريحاتهم التي تتضمن قلبا للحقائق, واعتبار أن العنف الحاصل داخل حدود مصر راجع إلي انقلاب عسكري وتجاهل إرادة الشعب الذي حاصر هذا النظام الاستبدادي وعزله بعد أن ثبتت جرائمه علي أرض الواقع ومن خلال التحقيقات التي تجري بشأنه الآن, نتيجة للأضرار الجسيمة التي ترتبت عليه من خلال جماعات إرهابية تتخذ من الدين ستارا لفرض سطوتها وهيمنتها علي المجتمع بأسره, وهو ما يوجب علي الحكومة وأبناء هذا الشعب اللجوء إلي المحكمة الجنائية الدولية عن طريق مجلس الأمن بأدلة اتهام ضد قادة هذه الجماعة وعلي رأسهم الرئيس المعزول ورؤساء الدول الأخري الذين يشاركونه في مخططاتهم التآمرية مهما اختلفت جنسياتهم أوازداد نفوذهم الدولي لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية. نائب رئيس محكمة النقض لمزيد من مقالات د. مدحت محمد سعد الدين